الأطعمة في الإسلام
إنّ الطعام الذي يتناوله الإنسان ينعكس على الأخلاق والسلوكات الخاصة به، ومن أجل ذلك حثّ الله -تعالى- في العديد من الآيات القرآنية على تناول الطعام الطيب، منها قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا)،[١] كما قال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)،[٢] وغيرها من الآيات القرآنية التي ذكر فيها الطعام بصيغة الإفراد والجمع، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأصل في الأطعمة أنّها حلال، إلّا إن ورد دليلٌ يحرّم نوعاً معيناً، وفي ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الأصل فيها الحل لمسلم عمل صالحاً، لأنّ الله -تعالى- إنّما أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته، لا على معصيته)، وأضاف قائلاً: (ولهذا لا يجوز أن يستعان بالمباح على المعصية، كمن يعطي اللحم، والخبز من يشرب عليه الخمر، ويستعين به على الفواحش)، أي أنّ الله -تعالى- أحلّ لعباده الطيبات من الطعام حتى ينتفعوا بها، كما لا يجوز لأحدٍ تحريم ما لم يحرّمه الله -تعالى- أو يحرّمه الرسول عليه الصلاة والسلام، وما تم تحريمه فهو حرامٌ.[٣]حكم لحم الخنزير
شرع الله -تعالى- العديد من الشرائع والأحكام لحفظ مصلحة العباد في الدنيا والآخرة، وحفظ المصالح الخمسة المتعلقة بالدين والنفس والعقل والعِرض والمال، فقد حرص الإسلام في تشريعاته وأحكامه على صحة الإنسان وحمايته مما قد يضرّ به أو يفسده، ومن أهم ما يحقّق ذلك الطعام والشراب الذي يتناوله الإنسان، فكلّ ما هو طيبٌ من الشراب والطعام فهو حلالٌ، أمّا الخبيث فهو حرامٌ، وفي الترغيب في الطيبات والتنفير من الخبائث قال الله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبائِثَ)،[٤] ومن الأطعمة الخبيثة التي حرّمها الإسلام الخنزير، وورد ذلك في العديد من المواضع في القرآن الكريم، منها قول الله تعالى: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيكُمُ المَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّـهِ بِهِ)،[٥] كما قال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ)،[٦] وقال أيضاً: (قُل لا أَجِدُ في ما أوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلّا أَن يَكونَ مَيتَةً أَو دَمًا مَسفوحًا أَو لَحمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ)،[٧] وتحريم الخنزير ورد بشكلٍ قطعيٍ في جميع الآيات السابقة، أي أنّ الله -تعالى- لم يحرّم الخنزير بشكلٍ تدريجيٍ كما حرّم الخمر، دلالةٌ على شدّة الضرر وحجمه الذي يسبّبه الخنزير لآكله من البشر، وورد في الآيات السابقة أنّ لحم الخنزير يعدّ رجسٌ، والرجس كما بيّن الفيروز آبادي هو الشيء القذر، وقال بذلك أيضاً البيضاوي، وأُطلق على الخنزير الرجس لأنّه اعتاد على تناول النجاسات.[٨]وقال مصطفى الزرقا في تفسير الآية السابقة من سورة المائدة أنّ الطعام الوارد فيها ليس من الطيبات استناداً إلى العلم الإلهي، وأنّها محرّمةٌ سواءً وصل العلم إلى الحِكمة من ذلك أم لم يصل، وقال ابن كثير -رحمه الله- في ذلك: (فكل ما أحل الله تعالى من المآكل طيِّب نافع في البدن والدين، وكل ما حرَّمه، فهو خبيث ضارٌّ في البدن والدين)، وقال الرازي أيضاً: (أجمعت الأمة الإسلامية على أن الخنزير بجميع أجزائه محرَّم، وإنما ذكر الله تعالى اللحم؛ لأن معظم الانتفاع يتعلق به)، وقال ابن حزم فيما يتعلّق بالخنزير: (لا يَحِل أكْل شيء من الخنزير؛ لا لحمه، ولا شحمه، ولا جلده، ولا عصبه، ولا غضروفه، ولا حشوته، ولا مخه، ولا عظمه، ولا رأسه، ولا أطرافه، ولا لبنه، ولا شعره، الذكر والأنثى، والصغير والكبير سواءً، ولا يَحِل الانتفاع بشعره لا في خرز ولا غيره).[٨]
الحكمة من تحريم لحم الخنزير
يسبّب الخنزير العديد من الأمراض والسلوكات السيئة، فدم الخنزير يحتوي على العديد من الأوبئة والأمراض والديدان، مثل: الدودة المُفَلطحة، والدودة الشريطية، والدودة الأسطوانية، والدودة الشوكية، كما يسبّب الخنزير العديد من العادات والسلوكات السيئة، مثل: عدم الإحساس، وعدم الغيرة على الأنثى، فالخنزير هو الحيوان الوحيد الذي لا يغار على الأنثى الخاصة به، ومن الجراثيم الموجودة في الخنزير جرثومة يارسينا، ولا توجد إلّا في الخنزير، وتعيش في درجة حرارة منخفضةٍ جداً، وتجدر الإشارة إلى أنّ الخنزير محرّمٌ عند اليهود، كما أنّه محرّمٌ لدى عدّة طوائف مسيحية، وذلك بسبب العديد من الأخطار التي يسبّبها الخنزير، ومن الأمراض المتعلّقة بالخنزير والمنتشرة ما يسمّى بأنفلونزا الخنازير.[٩]ومن الأمراض التي يسبّبها الخنزير؛ مرض جنون البقر الذي يطلق عليه البريونات، كما أنّه يتسبّب بنقل العديد من الفيروسات إلى جسم الإنسان، منها: فيروس الأنفلونزا، وفيروس نيبا، وفيروس الالتهاب الرئوي الحاد المسمّى بفيروس سارس، وفيروس الحمى القلاعية، وفيروس مرض الكلب، وفيروس التهاب الدماغ الياباني، وفيروس حمّى نهر روس، وفيروس الخنزير التقرحي، وفيروس تقرّح الفم، وفيروس التهاب الدماغ والقلب، وفيروس الجدري، وفيروس الحمى الصفراء، كما أنّ الخنزير يتسبّب بنقل عددٍ كبيرٍ من البكتيريا للإنسان، منها: بكتيريا الحمى المالطية، وبكتيريا السالمونيلا، وبكتيريا البريميات، وبكتيريا الجمرة الخبيثة، وبكتيريا القولون، وبكتيريا يرسينيا، وبكتيريا كلوستريديوم، وبكتيريا التقرحات الجلدية، وبكتيريا الحمرة الجلدية، وبكتيريا السل الرئوي، وبكتيريا الانسمام الرئوي، وبكتيريا الانسمام الدموي، كما أنّ الخنزير يحتوي على العديد من المُرَكّبات الكيميائية الضارة التي لا تنسجم ولا تتوافق مع مركبات جسم الإنسان، ممّا يسبب العديد من الأمراض للإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق