الغناء
من المعروف أنّ الغناء من اللّهو الذي تستريح إليه النفوس، وتستمتع به الآذان والقلوب،[١] وقد عُرف الخلاف في حكم الغناء في التاريخ الإسلامي، وتعدّدت الفتاوى في حكمه؛ وذلك ناتج عن تعدّد ألوان الغناء التي سُئِل الفقهاء عنها، فليس كل الغناء مباحاً بإطلاق وتعميم، ولا حراماً بإطلاق وتعميم.[٢]تعريف الغناء
أما عن معنى الغناء في اللّغة فهو كما ورد في المعجم الوسيط: التطريب والترنم بالكلام الموزون وغيره، يكون مصحوباً بالموسيقى وغير مصحوب.[٣]الفرق بين الغناء والموسيقى
إن أردنا الحديث عن حكم الغناء فعلينا أولاً التفريق بين الغناء والموسيقى. فالغناء هو أشعار أو كلمات تقال بألحان خاصة لتحريك المشاعر، فالحادي يغني لإبله لتسرع في المشي، والأم تغني لطفلها لينام. ولكن الموسيقى هي الأصوات التي تنبعث من آلات مخصّصة عند تحريكها بأسلوب خاصّ، وتُسمّى (المعازف). ويرى جمهور أهل العلم تحريم المعازف، وذلك باستنادهم إلى كثير من الأحاديث النبوية التي ورد فيها تحريم المعازف.[٤] ومنها ما جاء في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ...).[٥] فقد قرن الحديث بين المنكرات والمعازف ولو لم تكن حراماً لما قال (يستحلّون) أي أنها حرام لكنّهم استحلّوها.[٦]ويُستثنى من الآلات الموسيقيّة الدُّف بغير خلخال في الأعراس والأعياد للنساء لإظهار مظاهر الفرح. قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولكن رخص النبي في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدُّف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد على عهده يضرب بدف ولا يصفق بكف، بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال..).[٧]
حكم الغناء
استند العلماء في الحكم على الغناء على آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآراء الأئمة والسلف، وفيما يلي توضيح لبعضها:[٧]حكم الغناء في القرآن الكريم
جاء في تفسير الآية :(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).[٨] قال ابن عباس وابن عمر في تفسير هذه الآية إنّه الغناء، وحلف ابن مسعود على أن اللهو في هذه الآية هو الغناء. وقيل أيضاَ في تفسيرها إنّه الغناء الذي يترك أثراً في النفوس، ويحرك الكامن فيها لما فيه من كلام غزل، أو وصف للنساء ومفاتنهنّ.حكم الغناء في السنة النبوية
جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال تشتهين تنظرين فقلت نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم).[٩] ويدلّ هذا الحديث على أنّ هناك غناء حلالاً وليس كله حرام، فقد صدر الغناء هنا من جاريتين صغيرتين، وقد كان في يوم عيد، ولا تصحبه آلات اللهو أو المعازف.[٦]حكم الغناء في المذاهب الفقهية الأربعة
تقاربت آراء الأئمة الأربعة في موضوع الغناء وحكمه: فأما الإمام أبو حنيفة فقد كان يكره الغناء، ويعتبر سماعه من الذنوب، وقد نهى الإمام مالك عن الغناء أيضاً وعن استماعه وقال فيه: (إنما يفعله عندنا الفسّاق)، حتى إنّه أباح ردّ الجارية بالعيب بعد شرائها إذا وُجد أنها مغنّية، وكذا الإمام الشافعي فقد ردّ شهادة من استكثر من الغناء وسفّههُ، وكان عنده مكروه ويشبه الباطل.[١٠] أما الإمام أحمد ابن حنبل فقد روي عنه الحِلّ والكراهة والتحريم؛ وذلك تبعاً لاختلاف ألوان الغناء، فأحل الغناء الحلال، وكره الغناء المكروه، وحرّم الغناء المحرّم.[٢] أما في حكم الغناء الذي يكون ترديداً للشعر دون آلات موسيقيّة فقد ذُكر في فتوى الشيخ نوح القضاة أنّ العلماء أباحوا الغناء بشروط منها:- ألا تدعو كلماته إلى منكر أو مخالفة الشريعة، وألا تخالف أدب الإسلام، كأن تكون الكلمات حماسيّة للجهاد، أو تحثّ على اتباع مكارم الأخلاق.
- ألا يكون الغناء من امرأة أجنبيّة لرجل أو رجال أجانب.
- عدم اقترانه بالموسيقى والآلات الموسيقيّة أو ما شابهها.
- ألا يُشغِل الغناء عن واجب ديني أو دنيوي.
(أما إذا حضروا شعراً طيباً كشعر حسان، والأشعار الطيّبة، والقصائد الطيبة التي فيها الخير، والدعوة إلى الخير، أو قام شاعر يدعوهم إلى الخير: إلى الجود، والكرم، والأعمال الطيبة، وقام شاعر آخر كذلك، يدعو إلى الخير، ومكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، لا بأس، كما قال -صلى الله عليه وسلم- "إن من الشعر حكمة"، وقال لحسان: "اهجُ الكفار، فوالذي نفسي بيده، إنه لأشد عليهم من وقع النبل"، وقال: "اللهم أيّده بروح القدس" كان حسان يهجوهم، وكانت أشعاره عظيمة طيبة، وهكذا عبد اللّه بن رواحة، وكعب بن مالك).[١١]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق