أحكام الزينة في الإسلام
أجاز
الإسلام للمرأة التزيّن بما شاءت من الزينة ما دامت تلك الزينة لا تظهر للرجال الأجانب غير محارمها الذين يجوز لهم الاطلاع على مفاتنها،
[١]
وقد حرَّم الإسلام كذلك أموراً كانت في فعلها إهانة للمرأة أو إضرار
بصحتها، أو انتقاصٌ من كرامتها، فلم يُحرِّم الإسلام على أتباعه شيئاً إلا
لحكمةٍ وسبب، وجعل ما تبقى من الأمور متروكاً لأصل مبدأ الشريعة السمحة،
فما وافق أحكام الإسلام جاز فعله ما لم يرد نصٌ قاطعٌ يدلُّ على حرمته أو
يُشير إلى ذلك ضمناً، وما خالف الشريعة يرجع إلى أصل ومبدأ ومقصد الشارع من
تحريم كل ما يُلحق الضرر بالمجتمع أو الأفراد فيكون حكمه التحريم إذا وُجد
نصٌ يُحرمه،
[٢]
أو كان يوافق في أصله ما كان مُحرّماً فيُقاس في الحكم عليه، ومن تلك
الأمور التي لم يأتِ لها نصٌ في الشريعة الإسلامية لحداثة عهدها بين الناس
ما يُسمى بالتشقير عند النساء، حيث يُعتبر التشقير نوعاً من أنواع التزيّن
والزينة، فما هو
التشقير، وهل التشقير جائزٌ شرعاً؟ وإن كان جائزاً فما هي ضوابط جوازه وأدلته؟
معنى التشقير
- التشقير في اللغة: مصدر شَقِرَ شَقَراً، وشُقْرَة؛ أي
أُشربَ بياضُ وجهه وجسمه حمرةً، ويُقال للرجل شَقِر، وللمرأة شَقِرة، أو
يقال أشقر وشقراء، وأشْقَرَّ: أي اشتدت شُقْرَتُه، والأشْقر في الإنسان
حمرةٌ صافية، بحيث تصبح بشرته مائلة إلى البياض، وتشقير الحاجبين في اللغةً
يعني: جعل لونهما أشقرَ شبيهاً بلون الجسد.[٣]
- التشقير اصطلاحًا: هو صبغ أطراف الحاجب العلوي والسفلي بشيءٍ يُغير لونه إلى ما يشبه لون الجسد لكي يظهر دقيقاً، ويبدو كأن الشعر منزوعٌ حوله.[٤]
حكم التشقير
أنواع التشقير
تتنوع أشكال
التشقير
وهيآته وصوره إلى عدة أنواع، وحتى يتم الوصول إلى الحكم الشرعي للتشقير
بصورةٍ أوضح، ومن خلال الاطلاع على جميع جزئياته وتحليلها وبيان موافقتها
للشريعة أو مخالفتها لها لا بدّ من بيان تلك الأنواع ثم الحكم عليها إن
كانت توافق الشريعة أو تخالفها من التدليل على ذلك ما أمكن، وفيما يلي بيان
صور وأنواع التشقير:
[٤][٥]
- أن يتمَّ صبغ جميع شعر الحاجب أو شعر الوجه بلونٍ غير اللون الأصلي
له، ويكون في الغالب قريباً من لون الشعر الطبيعي، فمثل هذا النوع من التشقير لا خلاف في جوازه؛ إذ إنّه لا يخرج عن كونه صبغاً لشعر الحاجب والوجه لا أكثر، ولا يوجد في الشريعة ما يُشير إلى حرمة ذلك.
- أن يتمَّ صبغ طَرَفَيِ الحاجبِ فقط؛ الطرف الأعلى والطرف الأسفل بما
يوافق لون بشرة الجسم، أو صبغ شعر الوجه بما يوافق لون البشرة، حتى يظهر
الحاجب ويبين وكأنّه دقيقٌ رقيق، فيصبح طرفا الحاجب المصبوغان غير
ظاهرَيْنِ، ويظهر الشعر الذي في الوجه وكأنّه غير موجودٍ أصلاً أو منزوع؛
وذلك بسبب صبغ شعر الوجه والحاجب بلونٍ يشبه لون الجلد.
- أن يصبغ الحاجب كاملاً بلونٍ يُقارب لون الجلد
ويُشابهه، ثم بعد ذلك يُرسَم فوق الحاجب الأصلي حاجبٌ رقيقٌ دقيق بقلمٍ
مخصصٍ لذلك، فتتحكم المرأة بحجم الحاجب وشدة سواده وهيئته، والنوع الثاني
والثالث هما موضع البحث في هذه المقالة لورودهما على ما يمكن بحثه في هذه
المسألة واحتمال وجود ما يحرِّم ذلك الفعل.
رأي العلماء بمسألة التشقير
اختلف العلماء المعاصرون في حكم مسألة
تشقير الوجه
والحاجبين على النحو المشار إليه في النوعين الثاني والثالث سالفَي الذكر
على قولين، وذلك بناءً على نظرتهما للهدف من تغيير لون شعر الوجه والحاجب،
ونظرة الإسلام إليه، وبيان أقوال الفريقين وأدلتهما فيما يلي:
[٤][٥]
- القول الأول: يرى أصحاب هذا القول أن التشقير
بهذه الصورة والهيئة محرمٌ وغير جائز، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء
في المملكة العربية السعودية، وقد استدلَّ أصحاب هذا القول بعددٍ من
الأدلة، منها:
- أنّ التشقير
يُشبه النمص المُحرَّم شرعاً والمنهي عنه كما جاء من خلال النصوص الصحيحة،
فيُقاس عليه في الحرمة، وقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن
المتنمصات حيث يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بذلك: (لعَن رسولُ
اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الواشماتِ والمُستوشِماتِ والمُتنمِّصاتِ
والمُتفلِّجاتِ للحُسنِ المُغيِّراتِ خَلْقَ اللهِ)،[٦]
يقول الإمام النووي: (وأما قوله: المتَفَلِّجات للحسن، فمعناه: يفعلن ذلك
طلبًا للحسن، وفيه إشارةٌ إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو
احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه، فلا بأس، والله أعلم)، فعلة
التحريم في النهي عن النمص ليست مجرد النمص إنّما هي التغيير الذي يحصل على
المرأة بنتف الشعر طلباً للجمال، فيكون التشقير طلباً للجمال مُحرماً
قياساً على النمص.
- يظهر من الصورتين المُشار إليهما في التشقير أن الغاية والهدف منه أن
يظهر الحاجب بشكلٍ أدق وأرفع مما هو عليه حقيقةً، وأن يختفي شعر الوجه
بتغيير لونه إلى لون الجلد فيصبح غير ظاهرٍ حقيقة، وهذا هو المقصود
والمطلوب في النمص
على الحقيقة، حيث يراد به إظهار الحاجب أدق مما هو عليه على الحقيقة، قال
أبو داود في السنن: (النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه)، وحيث ثبت أن
الحُرمة في الحقيقة هو التغيير الذي يحصل بالنتف لا النتف المجرد، فيكون
الوصول إلى تلك الغاية مُحرماً حتى لو لم يكن بطريق النمص بل كان بطرق أخرى
كالتشقير، فيكون التشقير بناءً على ذلك غير جائزٍ شرعاً.
- أنّ التشقير
يتسبب في خروج شعر الوجه والحاجبين بكثافة؛ حيث تحفزه المواد التي تدخل في
تصنيع صبغة الشعر، وتنميه، وقد شهد بذلك الواقع المعاصر للنساء اللواتي
يستخدمن صبغات التشقير،
وذلك يؤدي إلى لجوء المرأة إلى النمص لنزع الشعر الزائد مما يؤدي إلى
لجوئها إلى طرق محرمة، ومعلومٌ أن ما يؤدي إلى الحرام يكون حراماً.
- أنّ المواد المصنعة للصبغة المستخدمة في التشقير من المُرَكَّبات
الكيميائية التي تحوي أضراراً صِحِّيَّة خطيرة، وقد أثبتت الأبحاث الطبية
ذلك.
- أنّ في التشقير تشبهاً بالفاسقات من النامصات، وقد نهت الشريعة الإسلامية عن التشبه بأهل الفسق وحذرت من ذلك حتى في المباحات.
- القول الثاني: يرى أصحاب هذا القول أنّ التشقير
بحسب ما ورد في الصورتين الثانية والثالثة جائزٌ شرعاً ولا حُرمة فيه، وقد
قال بذلك العديد من العلماء المعاصرين كابن عثيمين وغيره، وقد استدلَّ
أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بما يلي:
- أنّ التشقير لا يؤثر في خلقة الله، بل هي باقية على طبيعتها فلا تتغير، ولا تتأثر بمجرد صبغ شعر الوجه، أو صبغ شيءٍ من الحاجب.
- أنّ الشرع الكريم أجاز صبغ الشعر بغير الأسود، فيبقى الصبغ بغير الأسود
على الأصل الذي جاء به الشرع وهو الإباحة، إنّما يُحرم الصبغ بالسواد.
- أنّ التحريم الذي جاء به النص خاصٌ بالنمص فقط، والتشقير لا يحدث فيه إزالة للشعر ولا حتى شعرة واحدة من الحاجبين أو غيرهما، فلا يجوز القياس بالنمص في القول بحرمة التشقير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق