مفهوم الموت
خلق اللهُ تعالى الإنسان من جسدٍ وروحٍ، فإن فاضت روحه لبارئها فارق الحياة، وسكن الجسد عن الحِراك وتحقّق مفهوم "الموت"، فالرّوح من علم الله وهي مناط التّكليف، وما الجسدُ وحركتُه إلّا لباسًا لها والأثرُ الدّالّ عليها، قال تعالى في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}،[١].فلكلّ أجلٍ كتابٌ ولكلّ عملٍ حسابٌ، فإمّا إلى جنةٍ وإمّا إلى نارٍ وعذابٍ، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}،[٢]وإيمانًا بالموت وتسليمًا بحقيقته، يتناول المقال الحديث عن غُسل الميّت وتكفينه، وكيف نصلي صلاة الجنازة؟، وما هو حُكمها وفضل أدائها.[٣]تغسيل الميت
إذا تحقّق موت المسلم، سارع أهله إلى تغسيله على الهيئة الواردة في السنّة النبويّة، من حديث أمّ عطيّة نسيبة الأنصاريّة -رضي الله عنها- في وفاة زينب بنت رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالت: "دَخَلَ عَلَيْنَا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ونَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ، فَقالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِن ذلكَ، بمَاءٍ وسِدْرٍ، واجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ، فَقالَ: أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ فَقالَ أَيُّوبُ، وحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بمِثْلِ حَديثِ مُحَمَّدٍ، وكانَ في حَديثِ حَفْصَةَ: اغْسِلْنَهَا وِتْرًا، وكانَ فِيهِ: ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وكانَ فيه أنَّهُ قالَ: ابْدَؤُوا بمَيَامِنِهَا، ومَوَاضِعِ الوُضُوءِ منها"،[٤][٥]فقد دلّ الحديث على أعمال الغسل، تمهيدًا لتكفين الميّت والصّلاة عليه صلاة الجنازة، إذ أنّ للغسل كيفيّةً مشروعةً على النّحو الآتي، -والله تعالى أعلم-:- وضعُ الميّت على هيئة الجالس عند الغُسل: يُسنّ أن يوضع الميّت مائلًا كهيئة الجالس بغير اعتدالٍ، ثم يمرّ بيده على بطنه فيمسحه بخفّة ليُخرج ما بقي فيه.[٦]
- غسل الفرج والدّبر والشّروع بالوضوء: فإن خرج من سبيليّ الميّت شيءٌ أُزيل بخرقةٍ ونجّاه المُغسّل، إذ يتعيّن عليه إزالة ما يخرج من الميّت وغسل فرجه ودُبُره بخرقةٍ دون يده، ثمّ يشرع بوضوئه كاملًا كوضوء الحيّ للصّلاة.[٦]
- غسل الرّأس والبدن بالماء والسّدر والكافور: وبعد الانتهاء من وضوء الميّت، يُغسّل رأسه وبدنه بالماء الممزوج بالسّدر والكافور، ويريق المُغسّل الماء على جنبي الميّت مبتدئًا بالأيمن ثمّ الأيسر،[٦]والسِّدْر: "ورقٌ من شجر النّبق يُستخدم في التّنظيف بعد خلطه بالماء"،[٧]وأمّا الكافور:"فنوعٌ من الشّجر يُستخلص منه مادّةٌ طيّبة الرائحة لونها مائلٌ للبياض، شفافةٌ وبلوريّة الشّكل".[٨]
- تعميم الماء على الجسد ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا: والتّعميم يكون بإراقة الماء ليصيب سائر الجسد، ويُسنّ تكرار الغسل ثلاث مرّاتٍ، فإن دعت الحاجة زِيد إلى خمس أو سبع مرّاتٍ، ويُمزج مع ماء الغسل أيضًا شيئًا من الكافور لرائحته الطّيبة وأثره في تقوية الأعضاء وتصليبها.[٦]
- ستر عورة الميّت أثناء الغسل: ويتعيّن على المغسّل ستر عورة الميّت عند الغسل ما بين السّرة إلى الرّكبة فلا يكشفُها أو ينظر إليها، وليس له نتفُ شعر إبط الميّت أو حلق عانته، ولا بأس بقصّ شاربه وأظافره إن كان فيهما طولٌ لأنّ قصّهما ميسّرٌ.[٦]
كيف يكفن الميت
يُقصد بالكفن: "ما يستر الميّت ويُوارى فيه من القِماش ونحوه"،[٩]ويكفّن الميّت بعد تغسيله ليُصلّى عليه صلاة الجنازة بالكيفيّة المشروعة، وللكفن صفةٌ وكيفيّةٌ توجز بالآتي، -والله تعالى أعلم-:[١٠]- صفة الكفن للرّجل والمرأة: يستحب أن يكفّن الرجل بثلاث أثوابٍ بيضاء، لحديث أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كُفِّنَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بيضٍ سَحُولِيَّةٍ، مِن كُرْسُفٍ، ليسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ"،[١١][١٠]كما يستحبّ أن تكفّن المرأة في خمسة أثوابٍ "إزارٌ وخمارٌ وقميصٌ وثوبان تلف فيهما"، لحديث أمّ عطيّة -رضي الله عنها- في غسل أمّ كلثوم بنت رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالت: "... فكَفَّنَّاها في خَمسَةِ أثوابٍ وخَمَّرْناها كما يُخَمَّرُ الحَيُّ"،[١٢]وفسّر ابن قدامة الزّيادة في كفن المرأة عن الرّجل لزيادة عورتها على عورته حال حياتها ومن باب أولى حال الموت، وقال الإمام ابن باز -رحمه الله- بجواز تكفين الرّجل والمرأة في لفافةٍ واحدةٍ ساترةٍ، والله تعالى أعلم.[١٣]
- تجمير الكفن: ويستحبّ تجمير الكفن أي "تبخيره"، لقوله -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: "إذا أَجمرتُم الميّتَ فأوترُوا، وفي روايةٍ: فأجمروهُ ثلاثًا، وفي روايةٍ: جمِّرُوا كفنَ الميّتِ ثلاثًا".[١٤][١٠]
- بسط الكفن ووضع الميّت: وتبسط أثواب الكفن الثّلاثة بعضها فوق بعضٍ، ثمّ يوضع الميّت فوقها مستلقيًا، ويتخلّل الطّيبُ الأثوابَ فيما بينها بما يُعرف باسم "الحنوط".[١٠]
- وضع الحنوط للميّت: ويفضّل عند تكفين الميّت وقبل أن يُصلي عليه صلاة الجنازة، حفظ الحنوط بقطنٍ ووضعه بين إليتيه منعًا للرّائحة المُستكرهة التي قد تخرج منه، وجعلُ الباقي على منافذ وجهه "العينان والمنخران والشّفتان والأذنان ومواضع السّجود"، وأضاف بعضهم "الإبطين والسّرة وطيّ الركبتين"، وفي الأمر سعةٌ في وضع الحنوط للميّت دونما تخصيصٍ.[١٠]
- ردّ أثواب الكفن على الميّت: وبعد وضع الميّت في الكفن، يرُّد طرف الثّوب العلويّ على شِقّه الأيمن وطرفه الآخرُ على شقّه الأيسر، ويُفعل مثل ذلك في الثّوب الثّاني ثمّ الثّالث، وتُعقد الأثواب عقدتان تبعًا للحاجة كي لا ترتخي، إحداهما عند الرّأس والأخرى عند القدمين، فإن احتاج وسط الكفن عُقِد له، وتُحَلُّ جميعُها بعد إنزال الميّت في القبر.[١٠]
كيف نصلي صلاة الجنازة
يتردّد السّؤال بين الحين والآخر عن صفة صلاة الجنازة، وكيف توضع الجنازة بالنّسبة للقبلة؟، وأين يقف الإمام منها؟، وللإجابة عن التّساؤلات، يتناول مبحث "كيف نصلي صلاة الجنازة" ما ورد في السنّة النّبويّة الشّريفة بهذا الخصوص، -والله تعالى أعلم-:[١٥]وضع الجنازة اتجاه القبلة
تُوضع الجنازة اتّجاه القِبلة، فيكون رأس الميّت عن يمين القبلة ورِجلاه عن يسارها، ثمّ يقوم الإمام مستقبلًا القبلة داعيًا المصلّين إلى الاصطفاف خلفه صفوفًا، معلنًا لهم عن جنس الميِّت، ثمّ يقف عند رأسه إن كان الميّت ذكرًا أو عند وسطها إن كانت أنثى، وذلك لما أورده الإمام الألبانيّ في الحديث "شَهِدْتُ أنسَ بنَ مالِكٍ صلَّى علَى جنازةِ رجلٍ، فقامَ عندَ رأسِهِ، وفي روايةٍ: رأسِ السَّريرِ فلمَّا رفعَ أتيَ بجنازةِ امرأةٍ من قُرَيْشٍ -أو منَ الأنصارِ-، فقيلَ لهُ: يا أبا حمزةَ هذِهِ جنازةُ فلانةَ ابنةِ فلانٍ، فصلِّ عليها فصلَّى عليها، فقامَ وسطَها في رواية عند عَجيزتِها وعلَيها نعش أخضَر وفينا العلاءُ بنُ زيادٍ العدويُّ، فلمَّا رأى اختلافَ قيامِهِ علَى الرَّجلِ والمرأةِ، قالَ: يا أبا حَمزةَ، هَكَذا كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ- يقومُ حيثُ قمتَ، ومنَ المرأةِ حيثُ قمتَ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالتفتَ إلينا العلاءُ فقالَ: احفَظوا".[١٦]فإن تعدّد الموتى رجالًا ونساءً وأطفالًا، قُدّم الرّجال ممّا يلي الإمام ثمّ الأطفال ثمّ النّساء مما يلي القِبلة، لما ورد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- "أنَّه صلَّى علَى تِسعِ جَنائزَ جميعًا، فجعلَ الرِّجالَ يَلونَ الإمامَ، والنِّساءَ يلينَ القِبلةَ، فَصفَّهنَّ صفًّا واحدًا، ووُضِعَت جَنازةُ أمِّ كلثومِ بنتِ عليٍّ امرأةِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ، وابنٍ لَها يقالُ لَهُ: زَيدٌ، وُضِعا جميعًا، والإمامُ يومئذٍ سعيدُ بنُ العاصِ، وفي النَّاسِ ابنُ عبَّاسٍ، وأبو هُرَيْرةَ، وأبو سعيدٍ، وأبو قتادةَ، فوُضِعَ الغلامُ مِمَّا يلي الإمامَ، فقالَ رجلٌ: فأنكَرتُ ذلِكَ، فنظرتُ إلى ابنِ عبَّاسٍ، وأبي هُرَيْرةَ، وأبي سعيدٍ، وأبي قتادَةَ، فقلتُ: ما هذا ؟ قالوا: هيَ السُّنَّةُ".[١٧]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق