تميم البرغوثي
تميم البرغوثي هو شاعر فلسطينيّ الأصل وُلِدَ في القاهرة في مصر، ودرس العلوم السياسية، وحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوسطن الأمريكية، وهو من مواليد القاهرة عام 1977م ووالده الشاعر الفلسطيني الشهير مريد البرغوثي، وأمُّهُ الروائية المصرية رضوى عاشور، اشتهر البرغوثي إعلاميًّا في مسابقة أمير الشعراء في الإمارات العربية المتحدة، حيث وصل إلى المراحل النهائية في المسابقة، وهذا المقال مخصَّصٌ للحديث عن إحدى قصائد تميم البرغوثي وهي قصيدة قفي ساعة وشرحها، وللحديث عن بعض قصائده الأخرى. [١]شرح قصيدة تميم البرغوثي قفي ساعة
بعدّ التعريف بالشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، لا بدَّ من الحديث عن إحدى قصائده وهي قصيدة قفي ساعة والحديث عن شرحها وأهمّ تفاصيلها:يعرضُ البرغوثي في نصِّه الذي عنوانه "قفي ساعة" براعته وعرامته في الصياغة الشعرية الأدبية التي تُذكّرُ بابن الرومي والبحتري وغيرهم من فحول الشعر العربي، فيقفُ تميم البرغوثي في هذا المطلع وقفة شعراء الجاهلية بادئًا قصيدته بلمحة غزلية لطيفة حين قال:
قفي ساعةً يفديكِ قَوْلي وقائِلُهْ ولا تَخْذِلي مَنْ باتَ والدهرُ خاذِلُهْ
ثم ينتقل إلى وصف حالة الحزن التي فرضها عليه الواقع العربي المؤسف، هذا الواقع الذي يتجسّدُ بصورة واضحة في جثث القتلى الذين خلّفتهم الحروب التي تشهدها الدول العربية كفلسطين والعراق، حين قال:
أَنَا عَالِمٌ بالحُزْنِ مُنْذُ طُفُولَتي رفيقي فما أُخْطِيهِ حينَ أُقَابِلُهْ
وإنَّ لَهُ كَفَّاً إذا ما أَرَاحَها عَلَى جَبَلٍ ما قَامَ بالكَفِّ كَاهِلُهْ
يُقَلِّبُني رأساً على عَقِبٍ بها كما أَمْسَكَتْ سَاقَ الوَلِيدِ قَوَابِلُهْ
وَيَحْمِلُني كالصَّقْرِ يَحْمِلُ صَيْدَهُ وَيَعْلُو به فَوْقَ السَّحابِ يُطَاوِلُهْ
فإنْ فَرَّ مِنْ مِخْلابِهِ طاحَ هَالِكًا وإن ظَلَّ في مِخْلابِهِ فَهْوَ آكِلُهْ
عَزَائي مِنَ الظُّلاَّمِ إنْ مِتُّ قَبْلَهُمْ عُمُومُ المنايا مَا لها مَنْ تُجَامِلُهْ
إذا أَقْصَدَ الموتُ القَتِيلَ فإنَّهُ كَذَلِكَ مَا يَنْجُو مِنَ الموْتِ قاتلُِهْ
فَنَحْنُ ذُنُوبُ الموتِ وَهْيَ كَثِيرَةٌ وَهُمْ حَسَنَاتُ الموْتِ حِينَ تُسَائِلُهْ
يَقُومُ بها يَوْمَ الحِسابِ مُدَافِعًا يَرُدُّ بها ذَمَّامَهُ وَيُجَادِلُهْ
وَلكنَّ قَتْلَىً في بلادي كريمةً سَتُبْقِيهِ مَفْقُودَ الجَوابِ يحاوِلُهْ
وفي قوله هذا تنبعُ الصور الشعرية من نبعٍ صافٍ، هو قوّتُهُ وعرامته وشاعريته، حين يشبِّهُ الحزن وهو يقلب حالته رأسًا على عقب بالقابلة التي تقلب الطفل عند خروجه من رحم أمه، ويمعن البرغوثي في تشبيهاته فيشبه الحزن بالصقر الذي يحمل المحزون -وهو الشاعر- ويحلّق به عاليًا ممّا يجعل مصيره يائسًا في كلِّ الأحوال، ثم ينتقل تميم إلى وصف المشهد العربي الذي كانت تعيشه البلاد العربية في الفترة التي كتب بها البرغوثي قصيدته وهي عام 2004م أيام حرب العراق ومأساة الشعب العراقي الشقيق، فيوغل في الشرح والتحليل في الحالة المأساوية التي كانَ يعيشها الشعب العربي بشكل عام في تلك الفترة الزمنية، ولا ينفكّ البرغوثي يصف ويحلل مأساة العرب ومعاناة أطفال العراق حين يصوّر مشهد الحرب بطريقة درامية محزنة، فيقول:
ترى الطفلَ مِنْ تحت الجدارِ مناديًا أبي لا تَخَفْ والموتُ يَهْطُلُ وابِلُهْ
وَوَالِدُهُ رُعْبَاًَ يُشِيرُ بَكَفِّهِ وَتَعْجَزُ عَنْ رَدِّ الرَّصَاصِ أَنَامِلُهْ
ثم ينتقل من التخصيص من حالة هذا الطفل إلى التعميم في حالة الناس الذين تمرُّ عليهم الحرب قائلًا:
عَلَى نَشْرَةِ الأخْبارِ في كلِّ لَيْلَةٍ نَرَى مَوْتَنَا تَعْلُو وَتَهْوِي مَعَاوِلُهْ
أَرَى الموْتَ لا يَرْضَى سِوانا فَرِيْسَةً كَأَنَّا لَعَمْرِي أَهْلُهُ وَقَبَائِلُهْ
لَنَا يَنْسجُ الأَكْفَانَ في كُلِّ لَيْلَةٍ لِخَمْسِينَ عَامَاً مَا تَكِلُّ مَغَازِلُهْ
وَقَتْلَى عَلَى شَطِّ العِرَاقِ كَأَنَّهُمْ نُقُوشُ بِسَاطٍِ دَقَّقَ الرَّسْمَ غَازِلُهْ
يُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُوطَأُ بَعْدَها وَيَحْرِفُ عُنْهُ عَيْنَهُ مُتَنَاوِلُهْ
قبل أن ينتقل تميم إلى الإشارة إلى ضرورة حفظ البلاد العربية وحمايتها من يد المستعمر الذي إذا استطاع أن يأخذ الشام والعراق بتقصير العرب وهوانهم، فإنّ هذا نذير شؤم لبلاد الحرمين الشريفين بلاد المسلمين وأرضهم المقدسة فيقول:
إِذَا ما أَضَعْنَا شَامَها وَعِراقَها فَتِلْكَ مِنَ البَيْتِ الحَرَامِ مَدَاخِلُهْ
أَرَى الدَّهْرَ لا يَرْضَى بِنَا حُلَفَاءَه وَلَسْنَا مُطِيقِيهِ عَدُوَّاً نُصَاوِلُهْ
فَهَلْ ثَمَّ مِنْ جِيلٍ سَيُقْبِلُ أَوْ مَضَى يُبَادِلُنَا أَعْمَارَنا وَنُبَادِلُهْ
ويختم محزونًا كما كان في كلِّ قصيدته، لا يجد حلًّا سوى التباكي على مصير هذه الأمة الغارقة في وحول الذل، متسائلًا من باب التعجيز عن قوم سيأتون وهم قادرون على أن يبادلوا هذه الأمة أعمارها وتُبادلهم أعمارهم يعيدون لها مجدها الضائع وتاريخها العريق. [٢]
قصائد تميم البرغوثي
بعدَ الحديث عن رائعة تميم البرغوثي "قفي ساعة" لا بدَّ من المرور على بعض قصائده، وجدير بالذكر في هذا المقام أنَّ لتميم ديوانين شعريّين، هما: "مقام عراق" وهو ديوان شعري يتألف من قصيدة واحدة طويلة فقط، كتبه تميم أثناء العدوان الأمريكي على العراق، وديوانه "في القدس" وهو ديوان كتبه في وصف معاناة الشعب الفلسطيني القديمة الحديثة، فكانَ الديوان ينتمي إلى أدب ما بعد الاستعمار، وممّا قال فيه في قصيدته "في القدس" التي ألقاها في الحلقات النهائية من مسابقة أمير الشعراء: [٣]مرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها
فَقُلْتُ لنفسي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها
تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها
وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِ يُضِيرُها
فإن سرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُهُ فليسَ بمأمونٍ عليها سرُورُها
متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها
ولتميم أيضًا قصائد شعرية متنوعة، اشتهرت له وانتشرت انتشارًا واسعًا، وقد ألقاها في عديد من المهرجانات الأدبية في عدد من الدول العربية، ومنها قصيدته التي يقول فيها:
إن سارَ أهلي فالدّهر يتبعُ يشهد أحوالهم ويستمعُ
يأخذ عنهم فن البقاء فقد زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلّما همّ أن يقول لهُم بأَنّهم مَهزومونَ ما اقتَنعوا
يسيرُ ان ساروا في مظاهرةٍ في الخلفِ, فيه الفضول والجزعُ
يكتبُ في دفترٍ طريقتهم لعلّه في الدّروسِ يَنتفعُ
لو صادَفَ الجَّمعُ الجيشَ يقصدُهُ فإِنّهُ نَحوَ الجّيشِ يندفعُ
فيرجع الجُّندُ خطوَتَينِ فَقَط ولكِنْ القَصْدُ أنّهُم رَجعوا
أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ والقوم عزلٌ والجيش مُدَّرعُ
ويصبح الغاز فوقهم قطعًا أو السما فوقه هي القطعُ
وتطلب الريح وهي نادرةٌ ليست بماء لكنّها جُرعُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق