الإنجاب
شرَّع الله الزّواج ليكون استقراراً وسكينةً بين الزوجين، وقد وضع لذلك أُسساً وقواعد، وأوجد له حقوقاً وواجباتٍ على الزّوجين الالتزام بها للحصول على حياة هادئة ومُستقرّة، وحيث إنَّ الهدف الأساس من الزّواج هو إنجاب الأولاد وتربيتهم تربيةً صالحةً، وإنشاؤهم تنشئةً قويمةً ليكونوا عباداً صالحين لربّهم، بُناةً لمُجتمهم وأوطانهم، ولذلك فقد سَنّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- مجموعةً من السُّنَن يقوم بها المسلم عندما يُرزق بمولودٍ جديد كنوعٍ من شكر الله على عطاءه، ولكي يَنشأ المولود على الالتزام بأوامر الله جلّ وعلا، والآتي بعض من السّنن المشروعة والمُستحبّة التي ينبغي القيام بها لمن يُرزق بمولودٍ جديد.التّهنئة بالمولود
إذا وُلِد المولود حيّاً، وخرج من بطن أمه صارخاً باكياً فإنّه يُستحبُّ لمن كان موجوداً حين الولادة من النّساء أو من كان قريباً من مكان الولادة وعَلِم بالخبر أن يُبشّر والده ومن يُحبّ بذلك؛ لما في البشارة من سرور لأهل المولود وخِلّانهم، فيُستحبّ للمُسلم أن يبادر إلى إدخال السّرور إلى قلب أخيه وإعلامه بما يُسعده،[١] وذلك لقول الله تعالى في قصّة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام: (فبشّرناه بغلام حليم)،[٢] وقوله في سورةٍ أُخرى: (إنّا نُبشّرك بغلام عليم).[٣]الأذان والإقامة في أُذنَيْ المولود
يُستحبّ لمن وُلد له مولودٌ -ذكرٌ كان أم أُنثى- أن يؤذِّن في أذنه اليُمنى، ويُقيم الصّلاة في الأذن اليُسرى بعد الولادة مُباشرةً، وذلك لما رواه أبو رافع (أنّ النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- أذَّن في أذن الحَسن حين ولدته فاطمة)،[٤] ويعزي بعض العلماء سبب مشروعيّة ذلك ليكون أول ما يَرِد على سَمع المولود هو توحيد الله جلّ وعلا، كما يُلقَّن عند خروجه من الدّنيا بالموت، ولِما فيه من طرد الشّيطان عنه، فإنّه يُدبِر عند سماع الأذان كما جاء في الخبر، ويُسَنّ أن يقول في أُذن المولود اليمنى: (إني أُعيذها بك وذُريّتها من الشّيطان الرّجيم)،[٥] ويُسنُّ قول ذلك حتّى إن كان المولود ذكراً على سبيل التّلاوة والتبرّك بلفظ الآية، وفي مُسند ابن رَزِين أنّه قرأ في الأذن اليُمنى لمولود سورة الإخلاص.[٦]تحنيك المولود
يُسنّ أن يُحنِّك المولود بتمرة؛ بأن يمضُغها شخصٌ، ثم يُدلّك بها داخل فم المولود ولثّته وشَفَتيه، ويفتح فمه، حتّى ينزل إلى جوفه منها شيء، فإن لم يجد تمراً جاز له أن يُحنِّكه بأي شيءٍ حلو،[٦] لما في الصّحيحين عن أبي موسى قال: (وُلِدَ لي غُلامٌ، فأَتَيتُ به النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسمَّاه إبراهيمَ، فحنَّكَه بتمرةٍ، ودعا له بالبَركةِ، ودفَعه إليَّ، وكان أكبرَ وَلَدِ أبي موسى).[٧]حلق شعر رأس المولود
يُستحبّ حلق رأس المولود في اليوم السّابع من ولادته، أي بعد أن يُصبح عمره أسبوعاً، ويُسمّى في ذلك اليوم بعد ذبح العقيقة، ويُتَصدَّق بوزن شعره الذي حُلِق ذهباً أو فضةً؛ لأنّه عليه الصّلاة والسّلام أمر فاطمة، فقال: (زِني شعر الحسين، وتصدّقي بوزنه فضةً)، كما قال لها لما ولدت الحسن: (احلقي شعر رأسه، فتصدّقي بوزنه من الوَرِق)، أي الفضّة، وقِيس الذّهب على الفضّة.[٦]ختان المولود في اليوم السّابع
يُسنُّ لمن وُلِد له مولود أن يختنه، أو ما يُسمّى في بعض البلاد الإسلاميّة بالتّطهير، وتختلف الأعراف بموضوع الختان من بلدٍ لآخر، كما يختلف الحكم بحسب طبيعة البلد من برودة أو حرّ، وقد كره الحنفيّة ختان المولود في أول يومٍ من أيّام الولادة وحتّى اليوم السّابع؛ لأنّ ذلك من فعل اليهود، أمّا عند الشافعيّة فيُستحبّ أن يكون الختان في اليوم السّابع من ولادته؛ لما أخرجه البُيهقيّ عن عائشة: (أنّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام ختن الحسن والحسين يوم السّابع من ولادتهما).[٨]يكون الختان للذّكر بقطع الجلدة التي تُغطّي الحشفة، وهو سُنّة مُؤكّدة عند المالكيّة والحنفيّة للذكور فقط ولا يُسنُّ للإناث، أما الخِفاض في النّساء فهو مَكرمة، وهو مُصطلحٌ يُوازي الختان، والمقصود به: (قطع أدنى جزءٍ من الجلدة التي في أعلى الفرج، ويُندب ألا تَنْهَك، أي لا تجور في قطع الجلدة التي في أعلى الفرج؛ لأجل تمام اللّذة في الجماع)، وقال الشافعية: (الختان فرضٌ على الذّكور والإناث)، وقال أحمد: (الختان واجب على الرّجال، مكرُمَةٌ في حقّ النّساء، ويجري الختان للنّساء عادةً في البلاد الحارّة)، ويُستحبّ أن يُؤخَّر عند المالكيّة حتى يبلغ الصبيّ سنَّ الصّلاة ويُؤمَر بها، وذلك من سنّ سبع سنوات إلى عشر سنوات، وحكمة الخِتان المُبالغة في الطّهارة والنّظافة، وتمييز المُسلم من غيره.[٦]
العقيقة عن المولود
العقيقة اصطلاحاً: (ما يُذكَّى عن المولودِ شُكراً لله تعالى بِنِيّةٍ وأحكامٍ مَخصوصة)، وتُسمّى نسيكةً، أو ذبيحةً.[٩]اختلف الفُقهاءُ في حُكم العقيقة؛ فذهب الإمام الشافعيّ[١٠] وأحمد بن حنبل [١١] إلى أنَّ العقيقة سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ، ورجَّح المالكيُّة أنَّ العقيقة مندوبةٌ،[١٢] وقال الحنفيُّة أنَّها جائزةٌ مُباحةٌ فيجوز فعلها ويجوز تركها.[١٣]
وقد استدلّ الحنفيّة على ما ذهبوا إليه بأنَّ العقيقةَ من أفعالِ الجاهليّة التي لم يُحرِّمها الإسلام، إنّما أجازها على حالها، وخالف جمهور الفقهاء وجود نصوصٍ شرعيّة صحيحةٍ تُشير إلى استحباب وسُنَّة العقيقة، منها:
- قول النبيِّ عليه الصّلاة والسّلام: (الغلامُ مُرْتَهَنٌ بعقيقِتهِ يُذبح عنه يومَ السابعِ، ويسمَّى، ويحلقُ رأسه).[١٤]
- رُوي (أنَّ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - أمرهم عن الغلامِ شاتانِ مُكافَئَتانِ، وعن الجاريةِ شاةٌ).[١٥]
- ولما رُوي (أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عن الحَسَنِ والحُسَينِ كبشاً كبشاً).[١٦]
وقد اختلف الفُقهاء أيضاً في وقت الأُضحية كما اختلفوا في حُكمها؛ فذهب الشافعيِّة والحنابلة إلى أنّه يجوز لمن وُلِدَ له مولود أن يعُقَّ عنه من لحظة انفصالِه عن أُمِّهِ،[١٠] وذهب المالكيّة والحنفيّة إلى أنه يَعقّ عنه في اليوم السّابع من ولادته ولا يجوز أداءُ العقيقةِ قبلَ ذلك.[٩]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق