السؤال
ما حكم خصام الأب لابنته وابنه لأكثر من شهر أو شهرين، وقد يصل خصامه
لسنة، وذلك بسبب خطأ اقترفته الابنة أو الابن. ويرى الأب بذلك أنه
يُعاقبهم بعدم حديثه معهم؟
وأحياناً يُعيد أبناؤه الأخطاء ويعودون للتوبة من جديد، ولا يُسامحهم ويطول خصامه لهم. ما الحكم في ذلك؟
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال، ولكن إن وجدت مصلحة للهجر كأن كان المهجور عاصيا، أو مبتدعا، أو نحو ذلك. ورجيت المصلحة من هجره؛ جاز الهجر بمقدار ما تحصل به المصلحة، وتنظر الفتوى: 376486.
ويجوز للوالد ونحوه تأديب ولده بالهجر فوق ثلاث، إذا كان ذلك لمصلحة راجحة. وأما لغير مصلحة، فلا يجوز.
وقد هجرت عائشة ابن الزبير -رضي الله عنهم- لما قال كلمة أغضبتها واعتبرتها من العقوق. كما أخرجه البخاري في الصحيح.
قال ابن حجر في بيان سبب هجر عائشة لابن الزبير ما عبارته: أَنَّ عَائِشَة رَأَتْ اِبْن الزُّبَيْر اِرْتَكَبَ بِمَا قَالَ أَمْرًا عَظِيمًا، وَهُوَ قَوْله: لَأَحْجُرَن عَلَيْهَا. فَإِنَّ فِيهِ تَنْقِيصًا لِقَدْرِهَا، وَنِسْبَة لَهَا إِلَى اِرْتِكَاب مَا لَا يَجُوز مِن التَّبْذِير الْمُوجِب لِمَنْعِهَا مِن التَّصَرُّف فِيمَا رَزَقَهَا اللَّه -تَعَالَى- مَعَ مَا اِنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ كَوْنهَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ، وَخَالَته أُخْت أُمّه. وَلَمْ يَكُنْ أَحَد عِنْدَهَا فِي مَنْزِلَته، كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيح بِهِ فِي أَوَائِل مَنَاقِب قُرَيْش. فَكَأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ فِي ذَلِكَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ نَوْع عُقُوق، وَالشَّخْص يَسْتَعْظِم مِمَّنْ يَلُوذ بِهِ مَا لَا يَسْتَعْظِمهُ مِن الْغَرِيب، فَرَأَتْ أَنَّ مُجَازَاته عَلَى ذَلِكَ بِتَرْكِ مُكَالَمَته، كَمَا نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَام كَعْب بْن مَالِك وَصَاحِبَيْهِ عُقُوبَة لَهُمْ؛ لِتَخَلُّفِهِمْ عَنْ غَزْوَة تَبُوك بِغَيْرِ عُذْر. وَلَمْ يَمْنَع مِنْ كَلَام مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِن الْمُنَافِقِينَ، مُؤَاخَذَة لِلثَّلَاثَةِ؛ لِعَظِيمِ مَنْزِلَتهمْ، وَازْدِرَاء بِالْمُنَافِقِينَ لِحَقَارَتِهِمْ. فَعَلَى هَذَا يُحْمَل مَا صَدَرَ مِنْ عَائِشَة. وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ هَجْر الْوَالِد وَلَده، وَالزَّوْج زَوْجَته وَنَحْو ذَلِكَ لَا يَتَضَيَّقُ بِالثَّلَاثِ. وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَرَ نِسَاءَهُ شَهْرًا. انتهى.
فإذا علمت هذا، فالذي ينبغي لهؤلاء الأولاد أن يحرصوا على بر أبيهم، والذي ينبغي للأب أن يعفو ويصفح، ويكون أدبه لهم على قدر ذنوبهم، فلا يهجرهم لغير مصلحة راجحة تستوجب ذلك.
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق