مدينة القدس
تعدُّ مدينة القدس أكبر المدن الفلسطينية من حيث المساحة ومن حيث عدد السكان أيضًا، وهي مدينة تاريخية أثرية، لها مكانة دينية رفيعة لوجود بيت المقدس فيها، وهي مهد كثير من الديانات وتجتمع فيها الديانات قاطبة، هي عاصمة فلسطين، وهي تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948م، وتقعُ القدس في سلسلة جبال الخليل بين البحر المتوسط وشمال البحر الميت، وقد تعرَّضت لكثير من المعارك عبر التاريخ فقد احتلّت كثيرًا وتعرّضت للتدمير في مرات كثيرة في التاريخ، وهذا المقال مخصص للحديث عن هذه المدينة في الأدب العربي وما قيل من شعر عنها. [١]القدس في الأدب العربي
احتلَّت القدس مكانة رفيعة في الأدب العربي عبر العصور، وكانت حديث كثير من الشعراء الأدباء العرب الذين خصصوا قسمًا كبيرًا من نتاجهم الأدبي في سبيل الحديث عن هذه المدينة التاريخية، والتفصيل في تاريخها العريق والحديث عن محنتها القديمة الحديثة وعن وضعها وهي تقبع تحت جور الاحتلال الغاشم، وقد استطاعت فلسطين أن تلدَ شعراءً وأدباءً عظماء استطاعوا أن يتخذوا من قضيتها منهجًا في كتاباتهم واستطاعوا أن يكتبوا أدبًا جديدًا سمّاه النقاد أدب ما بعد الاستعمار أو الاحتلال، ولعلَّ أبرز من وضع القضية الفلسطينية نُصْبَ عينيه وجعلها قضيته الأساسية هو الشاعر العظيم الخالد محمود درويش الذي لم تغبْ فلسطين عن نصوصِهِ، وهو الذي يقول في قصيدته الشهيرة في القدس: [٢].في القدسِ، أَعني داخلَ السُّور القديمِ،
أَسيرُ من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ بلا ذكرى تُصوِّبُني
فإن الأنبياءَ هناك يقتسمون تاريخَ المقدَّس
يصعدون إلى السماء
ويرجعون أَقلَّ إحباطًا وحزنًا،
فالمحبَّةُ والسلام مُقَدَّسَان وقادمان إلى المدينة
كنت أَمشي فوق مُنْحَدَرٍ وأَهْجِسُ:
كيف يختلف الرُّواةُ على كلام الضوء في حَجَرٍ؟
أَمِنْ حَجَر ٍشحيحِ الضوء تندلعُ الحروبُ؟
أسير في نومي، أَحملق في منامي،
لا أرى أحدًا ورائي، لا أرى أَحدًا أمامي
كُلُّ هذا الضوءِ لي
أَمشي، أخفُّ، أطيرُ، ثم أَصير غيري في التَّجَلِّي
تنبُتُ الكلماتُ كالأعشاب من فم أشعيا النِّبَويِّ: [٣]
أَمشي كأنِّي واحدٌ غيْري
وجُرْحي وَرْدَةٌ بيضاءُ إنجيليَّةٌ
ويدايَ مثل حمامتَيْنِ على الصليب تُحلِّقان وتحملان الأرض
لا أمشي، أَطيرُ، أَصيرُ غَيْري في التجلِّي
لا مكانَ و لا زمان، فمن أَنا؟
أَنا لا أنا في حضرة المعراج
لكنِّي أُفكِّرُ: وَحْدَهُ، كان النبيّ محمِّدٌ يتكلِّمُ العربيَّةَ الفُصْحَى
وماذا بعد؟
ماذا بعد؟
صاحت فجأة جنديّةٌ: هُوَ أَنتَ ثانيةً؟ أَلم أَقتلْكَ؟ قلت: قَتَلْتني، ونسيتُ، مثلك، أن أَموت...
والخلاصة إنَّ لهذه المدينة التاريخية العظيمة مكانة رفيعة في الأدب العرب فشغلتِ الشعراء الأدباء بقضيتها التاريخية التي لم تزل تلهم الكتّاب أبهى وأعلى القصائد شعرًا ومعنى وعظمة.
شعر عن القدس
بعد ما وردَ من حديث عن هذه المدينة في الأدب العربي لا بد من المرور على مزيد من القصائد التي استطاع بها الشعراء أن يصفوا القدس بأقدس الصفات وأرهفها وألطفها تارةً، وأوجعها وأقساها تارةً أخرى، ومما قيل عنها:- قصيدة للشاعر السوري الكبير نزار قباني يقول فيها: [٤].
بكيتُ، حتى انتهت الدموعْ
صليتُ، حتى ذابت الشموعْ
ركعتُ، حتى ملّني الركوعْ
سألت عن محمد، فيكِ وعن يسوعْ
يا قُدسُ، يا مدينة تفوح أنبياءْ
يا أقصر الدروبِ بين الأرضِ والسماءْ
يا قدسُ، يا منارةَ الشرائعْ
يا طفلةً جميلةً محروقةَ الأصابعْ
حزينةٌ عيناكِ، يا مدينةَ البتولْ
يا واحةً ظليلةً مرَّ بها الرسولْ
حزينةٌ حجارةُ الشوارعْ
حزينةٌ مآذنُ الجوامعْ
يا قُدس، يا جميلةً تلتفُّ بالسوادْ
من يقرعُ الأجراسَ في كنيسةِ القيامةْ؟
صبيحةَ الآحادْ
من يحملُ الألعابَ للأولادْ؟
في ليلةِ الميلادْ
يا قدسُ، يا مدينةَ الأحزانْ
يا دمعةً كبيرةً تجولُ في الأجفانْ
من يوقف الحجارة يا بلدي
من يوقفُ العدوان يا بلدي؟
عليكِ، يا لؤلؤةَ الأديانْ
من يغسل الدماءَ عن حجارةِ الجدرانْ؟
من ينقذُ الإنجيلْ؟
من ينقذُ القرآنْ؟
من ينقذُ المسيحَ ممن قتلوا المسيحْ؟
من ينقذُ الإنسانْ؟
- ويقول الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في قصيدته التي عنونها في القدس: [٥].
فَقُلْتُ لنفسي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها
تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها
وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِ يُضِيرُها
فإن سرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه فليسَ بمأمونٍ عليها سرُورُها
متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها
في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته
يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في طلاءِ البيتْ
في القدسِ، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا
يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها
في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ،
رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ،
قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى
وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً
تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً
مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْ
في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ
في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ
في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق