-->

adcash790

-------popcash------- ‐-----------------

السبت، 18 أبريل 2020

أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس

أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس

الأندلس في تاريخ الأدب

اشتهرت الأندلس وانتشر أدبها في تاريخ الأدب العربي انتشارًا واسعًا؛ ويعود ذلك للاهتمام الأدبي الذي أبداه خلفاء الأندلس تجاه الأدب العربي بكلِّ ألوانه، سواء أكان شعرًا أم نثرًا، وهذا الاهتمام انعكسَ بشكلٍ إيجابي على حصيلة الأندلس العامّة من الشعر والأدب في التاريخ، فقد أنجبت الأندلس شعراءً فحولًا استطاعوا أن يزوّدوا خزينة الأدب بالشهيِّ النقيِّ من القصائد الممزوجة بنكهة الأندلس وطبيعة البلاد الرطبة، ولعلّ أشهرهم أبو البقاء الرندي وابن هانئ الأندلسي وأحمد عبد ربه وابن سهل الأندلسي وابن زيدون وغيرهم، وسيكون الشاعر أبو البقاء الرندي محورَ الحديث في هذا المقال.

أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس

هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي، يُكنّى بأبي البقاء، وُلِدَ أبو البقاء الرندي عام 1204م في مدينة رندة في الأندلس ولُقِّبَ بالرّندي نسبةً لاسم مدينته، كان أبو البقاء الرندي فقيهًا حافظًا للحديث، يملك من القدرة اللغوية ما يمكِّنُهُ من نظم الكلام ببراعة كبيرة، وهذا العلم صَقَلَ موهبته في الشعر، فكتبَ في المديح والغزل والزهد، ولكنَّ هذا الشعر لم يلعبْ في شهرة أبي البقاء دورًا مهمًّا، وإنَّما صيته الأدبي ذاع بعد قصيدته الشهيرة التي رثى فيها الأندلس، وهي قصيدة طويلة كتبها أبو البقاء الرندي بعد أن بدأت المدن الأندلسية تتهاوى وتسقط في يد الإسبان واحدة تلو الأخرى، والتي يقول في مطلعها:
لـكلِّ شـيء إذا مـا تمَّ نُـقصانُ                فـلا يُـغـَرُّ بـطيبِ العَيشِ إنسانُ
هـي الأمـور كما شاهدتَها دُوَلٌ              مـن سرَّهُ زمـَنٌ سـاءته أزمـانُ
وقد كتَبَ أبو البقاء في هذه القصيدة أبياتًا استنصر فيها المرينيين من أهل أفريقيا لينصرون قومَهُ بعد أن بدأ حاكم غرناطة محمد بن يوسف بالتنازل عن المدن والحصون العربية للإسبان في سبيل أن يستمرَّ في حكمه مستقرًّا دون حروب، وقد تُوفِّيَ أو البقاء الرندي عام 1285م عن عمر ناهز الخامسة والسبعين تاركًا وراءَه نتاجًا شعريًّا يصف مأساة سقوط الأندلس ويكشفها للناس جيلًا بعد جيل [١].

قصائد في رثاء الأندلس

اشتهر أبو البقاء الرندي بقصائده التي رثى فيها الأندلس التي تهاوت بيد الإسبان وسقطت بين أيديهم في تلك الفترة التي عاش فيها أبو البقاء، وممّا كتبَ في رثاء الأندلس قصيدته النونيّة الشهيرة التي ظهر تأثّره فيها بأبي الفتح علي بن محمد الكاتب البستي واضحًا، حيث يقول البستي في نونيته:
زيـادَةُ المَرء فـي دُنيـاهُ نقصـانُ                 وربْحُـهُ غَيرَ محض الخَير خُسـرانُ
وكُل وِجـدانِ حَظٍّ لا ثَبـاتَ لَـهُ                    فإنَّ مَعنـاهُ فـي التَّحقيق فُقْـدانُ
  • وأمّا قصيدة الرندي في رثاء الأندلس فيقول فيها: [٢].
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ                   فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ                مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحدٍ                 ولا يدوم على حالٍ لها شانُ
يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ                 إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ
وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ                 كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدانُ
أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ             وأين منْهمْ أكاليلٌ وتيجانُ؟
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ                  وأين ما ساسَهُ في الفرس ساسانُ؟
وأين ما حازه قارون من ذهبٍ                 وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ؟
أتى على الكُل أمر لا مَرد له                 حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلكٍ ومن مَلِكٍ              كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
دارَ الزّمانُ على "دارا" وقاتِلِه                 وأمَّ كسرى، فما آواه إيوانُ
كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببٌ           يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ
فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعةٌ                      وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادث سُلوان يسهلها                     وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له                   هوى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فامتحنتْ          حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ
فاسأل "بلنسيةً" ما شأنُ "مُرسيةً"         وأينَ "شاطبةٌ" أمْ أينَ "جَيَّانُ"
وأين "قُرطبةٌ" دارُ العلوم فكمْ                   من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين "حمص" وما تحويهِ من نزهٍ               ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما                       عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ
تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ              كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ
على ديار من الإسلام خاليةٍ                   قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما          فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ           حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ                 إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ                       أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ؟
تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمها                  وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
  • ويستنصر أبو البقاء الرندي المرنيين من سكان أفريقيا في قصيدته هذه فيقول:
يا راكبين عتاق الخيلِ ضامرةً                     كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
وحاملين سيُوفَ الهندِ مرهفةً                    كأنَّها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعةٍ                        لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ
أعندكمْ نبأٌ من أهل أندلسٍ                        فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ؟
كم يستغيث بنا المستضعفون وهمْ              قتلى وأسرى فما يهتز إنسان؟
ماذا التقاُطع في الإسلام بينكمُ                   وأنتمُ يا عبادَ الله إخوانُ؟
ألا نفوسٌ أبيِّـاتٌ لها هممٌ                           أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ                          أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم                   واليومَ هم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ                       عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ                           لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا ربَّ أمّ وطفلٍ حيلَ بينهما                           كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعتْ             كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً                        والعينُ باكيةٌ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ                     إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

المراجع[+]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق