قضايا مُعاصرة-التمثيل
من بين تلك المسائل المعاصرة
التَّمثيل؛
حيثُ يقوم أشخاصٌ بأداء أدوار تبدو وكأنها حقيقة، ثم تُعرض تلك المشاهد
التمثيلية على عدة طرق وأساليب، فما هو التمثيل؟ وما هو الحكم الشرعي له؟
وعلى ماذا استند الفقهاء المعاصرون في ما ذهبوا إليه بخصوص حكم التمثيل؟
معنى التمثيل
- التَّمثيل في اللغة: مصدر مَثَّلَ يُمثِّل تمثيلاً
وتَمْثالاً فهو مُمثِّل، ويُقصد به التشبيه، يُقال مَثَّلَ الشيءَ بالشيء
إذا شبَّهه به (وقدَّرَهُ على قدْره)، ومَثَّلَ لفلان: أي صَوَّر شيئاً له
بطريقةٍ معينة كالكتابة أو غيرها حتى يتخيله وكأنَّه يُشاهده أو ينظر إليه،
مَثَّلَ قومَه في مكانٍ ما كدولةٍ أو مؤتمر؛ أي ناب عنهم، ومَثَّلَ
المسرحية إذا عرضها للناس على المسرح بحيث يمثّل في عرضه واقعاً معيّناً
بقصد العظة والعبرة، والتَّمْثيل (الْمَسْرَحِيِّ أَوِ السِّينِمائِيِّ):
يُقصد به تَقْديمُ الأدْوارِ وعرضها، وهي ما يُعرف بالأداء الْمَسْرَحِيُّ،
ويُقصد به: أداء أدوارٍ معينة في عمل تلفزيوني أومسرحيّ أو سينمائيّ.[١]
- التمثيل في الاصطلاح: يُقصد بالتَّمثيل
اصطلاحاً إتيان مجموعةٍ من الأشخاص بأفعالٍ وأقوالٍ معينة يكون لها معنىً
محددٌ سامٍ ولأغراضٍ كالتسلية أو الاعتبار، وهو يعني كذلك: (تقليدٌ للصور
والأحداث والحالات المختارة في الحياة نفسها توضع مجسدة على المسرح، من قبل
ممثلين وما يحيط بهم من مناظر وملابس، وأمور أخرى يُنظِّمُها المخرج).[٢]
هل التَّمثيل حرام
ذُكر سالفاً - في مطلع المقالة- أنّ
التمثيل من المسائل المستجدَّة المعاصرة؛ حيث إنّها لم تكن دارجةً في عهد
النبي
صلى الله عليه وسلم، ولا عهد أصحابه أو الفقهاء والتابعين، ولا من لحقهم
من العلماء، لذلك فإن أمَّهات الكتب الفقهية تخلو من الحديث حول حكم
التمثيل ورأي الفقهاء فيه؛ إلّا أنّ العلماء المعاصرين قد اجتهدوا في هذه
المسألة وفق ما يُناسب الحالة القائم عليها التمثيل والقصد منها والفكرة
المراد إيصالها وغير ذلك من النقاط الحسّاسة في التمثيل، وفي ما يلي بيان
آراء العلماء في حكم التمثيل بصوره:
[٣]
- التَّمثيل يكون حراماً إذا: يرى العلماء المعاصرون
بالاتِّفاق أن التمثيل يكون مُحرَّماً إذا اشتمل على أمورٍ محظورةٍ شرعاً،
ولا نزاع ولا جدال ولا مُخالف في ذلك بين أهل العلم.
- تمثيل شخصيات الأنبياء والملائكة والصحابة:
يرى العُلماء أنه لا يجوز تمثيل الشخصيات الرَّمزية في الإسلام؛ خصوصاً
الأنبياء والملائكة عليهم السلام، أما ما دون الأنبياء والملائكة فيتردّد
الأمر حول حكم تمثيل شخصياتهم بين التَّحريم المُطلق والإباحة ضمن ضوابط
وشروط في اختلافٍ بين العلماء في ذلك، أما القائلون بإباحة تمثيل شخصيات الصحابة
فيرون أنَّ ذلك إنما هو من باب محاكاة أشخاصٍ معينين منهم بقصد تصوير
واقعةٍ حصلت مع أحدهم، أو بهدف تقريب فكرةٍ ما سامية بطريقة حِسِّيّةٍ أقرب
للواقع، والمحاكاة على هذا النحو ومن هذه الجهة جائزةٌ شرعاً على رأي من
قال بذلك من العلماء، وقد استدلَّ القائلون بالإباحة على ما ذهبوا إليه
بقصة الأقرع والأعمى والأبرص المشهورة، وهي قصةٌ ثابتةٌ صحيحة، ووجه
الدلالة في القصة بحسب وجهة نظرهم أنّ الملك عندما جاء إلى كلِّ واحدٍ منهم
إنما جاءه في حالة تُخالف ما هو عليه حقيقةً، ليتحقق بذلك مقصدٌ شرعيٌ
معين، كما استدلّوا على جواز المحاكاة بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-
لتصوير أمرٍ ما، أو قصةٍ معينة حصلت في السابق للمستمعين له والناظرين
إليه.
- ومثال ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لم
يتكلمْ في المهدِ إلا ثلاثةٌ ... وكانت امرأةٌ ترضعُ ابنًا لها من بني
إسرائيلَ، فمرَّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شارةٍ، فقالتْ: اللهمَّ اجعلْ ابني
مثلَه، فترك ثديها وأقبل على الراكبِ، فقال: اللهمَّ لا تجعلْني مثلَه، ثم
أقبل على ثديها يمصُّه - قال أبو هريرةَ: كأني أنظرُ إلى النبيِّ صلى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ يمصُّ إصبعَه - ثم مرَّ بأمةٍ، فقالتْ: اللهمَّ لا تجعلْ
ابني مثلَ هذه، فترك ثديها، فقال: اللهمَّ اجعلْني مثلَها، فقالتْ: لم ذاك؟
فقال: الراكبُ جبَّارٌ من الجبابرةِ، وهذه الأمةُ يقولون: سرقتِ، زنيتِ،
ولم تفعلْ)،[٤]
وقد علَّق الإمام الحافظ ابن حجرٍ العسقلاني على هذه القصة في كتابه فتح
الباري وتحديداً في كتاب أحاديث الأنبياء في باب قول الله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ..)،[٥] فقال الإمام ابن حجر: (فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل).
- يكون التمثيل جائزاً ضمن ضوابط: من قال بجواز التمثيل قيَّد الجواز بعدة ضوابط، منها:
- أن تكون الأعمال التمثيلية كالمسلسلات والمسرحيات تشتمل على قصص
تهدف إلى غرس قيمةٍ أو بيان فكرة، أو فيها دعوةٌ مباشرةٌ إلى مكارم
الأخلاق.
- أن يكون التمثيل
له النصيب الأوفر من مطابقة الواقع، ويُشكِّل صورةً صادقة عما يقوم العمل
التمثيلي بتمثيله، وقد روى الترمذي عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه
قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ)،[٦] كما أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمزح ولا يتكلَّم إلا بحق.
- العناية بالأدوار التمثيلية
التي تُجسِّد شخصيات الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام وآل البيت الأطهار
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وضبطها بالضوابط الشرعية من حيث اختيار
ممثلين يتصفون بالسيرة الحسنة والاستقامة، لينعكس المعنى الهادف المراد
إيصاله للمشاهد بشكلٍ مناسب، كما ينبغي أن يراعى في تجسيد أدوار الصحابة
معرفة قدرهم ومكانتهم، وألّا يكون من بين المشاهد التمثيلية ما ينتقص من
قدرهم أو يكون فيه استخفافٌ بهم أو يُشير إلى امتهانهم.
- اجتناب تصوير الأدوار التمثيلية المشتملة على محظور شرعي، وإن قِيل أنّ
المراد بذلك تصوير ما يفعله بعض الناس، فالغاية لا تُبرِّر الوسيلة، ويمكن
الوصول إلى الغاية المراد إيصالها للمُشاهد بطرق مشروعة.
- أن يجري ضبط النصوص التمثيلية بصورة متقنة بعيدةٍ عن المحضورات
الشرعية، خصوصاً ما يتعلّق بتمثيل الأحداث الدينية والتاريخية، ويكون ذلك
من قِبَل أهل الاختصاص من علماء التاريخ الإسلامي والشريعة حتى لا يحدث في الأعمال التمثيلية تحريفٌ للشرع أو تزييفٌ للوقائع والحقائق والأحداث التاريخية.
نشأة التمثيل وأنواعه والغاية منه
يُعتبر
التمثيل
في أصله ونشأته دينيٌ بحت لدى اليونان أصحاب الديانة الوثنية، ولدى
النصارى كذلك، وهو اعتياديٌ مطلقٌ في فرنسا وأوروبا وأمريكا وغيرها، وبناءً
على ذلك ينقسم التمثيل إلى نوعين رئيسين، بيانهما فيما يلي:
[٧]
- التمثيل الديني: وينقسم التمثيل الديني إلى قسمين هما:
- التراجيديا أو ما يُطلق عليه المأساة، وهو ما يتعلّق بالمُحزِن من الأعمال التمثيلية.
- التياترو: ويعني النَّظر بإعجاب.
- ما يتعلق بالعادات واللعب، وينقسم هذا النوع كذلك إلى قسمين هما:
- الكوميديا، أو ما يُعرف بالملهاة، ويتعلق بالتمثيل المضحك من هذا النوع.
- الميلودراما، أو ما يُعرب بالدراما ويتعلق بالمزعج من الأعمال التمثيلية.
- أما أنواع التمثيل بحسب الواقع وعدمه إلى ثلاثة أنواع هي:
- الطبعية: أي تلك الأعمال الواقعية التي تحكي واقعاً فعلياً محدداً.
- متخيلة: أي أنّها تكون من نسج الخيال وليس لها علاقة بالواقع من حيث الأحداث.
- رمزية: وهي تلك الأعمال التي تعتمد على التعبير المثير بشكلٍ رئيسي.
- أما أنواع التمثيل باعتبار أدائه ضمن الوسائل المعاصرة فهي: أعمالٌ
إذاعية مسموعة، وتلفزة مُشاهدة ومسموعة، وسينمائية، ومسرحية، ثم هذه
الأنواع تنقسم إلى: نثرية،
أو شعرية، أو ارتجالية، أو معدَّة مسبقاً، أما الغاية من التمثيل فهي
بالتحديد قصد التأثير بالمشاهد أو المستمع إصلاحاً أو إفساداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق