المال في الإسلام
كلّف الله -سبحانه وتعالى- الإنسان بعمارة الأرض واستعمره فيها؛ كما جاء في قوله تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)،[١] وقد سخّر الله تعالى ما في الكون من خيراتٍ لخدمة الإنسان ومنفعته، والمال مثالٌ على ما سخّره الله لخدمة الإنسان، والإسلام دين الله الخاتم ينظّم حياة الناس بما يحقّق مصالحهم المشروعة، ومن هنا كانت أحكام المعاملات المصرفيّة محلّ عناية واهتمام من علماء الأمّة؛ فبيّنوا ما يحلّ للمسلم وما يحرمُ عليه، وفصّلوا في أحكام المال والاستثمار فيه، وما ينتج عن ذلك الاستثمار من أحكام، ومع تقدّم الحياة المدنية نشأت البنوك التي تُعنى بالمال من وجوهٍ كثيرةٍ، فبعض هذه المؤسسات المالية التزم بالتشريعات الناظمة لأحكام المال في الإسلام، وبعضها الآخر ضلّ عن الطريق، واستهدف تحصيل الأرباح بعيداً عن الضوابط الشرعية، ومن المعاملات المالية المعاصرة ما يحصل عليه المرء من مالٍ بصورةٍ تسمّى الفائدة البنكية؛ فما هي أنواع فوائد البنوك، وما حكم الشرع فيها؟حكم الفوائد البنكية
حرّم الإسلام كلّ أشكال الربا، وعلى اختلاف مسمياته؛ وذلك باعتبار أنّ الرّبا يقوم على الزيادة في أصل المال؛ فمهما اختلفت التسميات وتعدّدت يبقى أساس الحلّ والتحريم عند الفقهاء قائماً على النّظر في الزيادة على أصل المال،[٢] وتتعدّد صور العوائد النقدية من البنوك، ويختلف حكمها الشرعي تبعاً لنوعها وطبيعتها، والفوائد البنكية من حيث الحكم الشرعي نوعان:[٣][٤]- النوع الأول: الفوائد العائدة من البنوك الإسلامية التي تتعامل وفق نظام المرابحة المشروع، وتسمى أرباحاً، فهذ حلال، ولا حرمة في التعامل بها، ولكن اشترط العلماء لحلّ هذا المال شروطاً عدّةً، منها:[٥]
- أن يكون استثمار المال في أعمالٍ مباحةٍ ومشروعةٍ أصلاً، مثل إقامة المشاريع السكنية وغيرها؛ لذا يتوجّب على المودِع معرفة طبيعة الاستثمار الذي أسهم فيه.
- يشترط عدم ضمان البنك لرأس المال في حال خسارة البنك، إلا إذا ثبت من البنك تقصيرٌ يكون فيه سبباً في الخسارة، لأنّ ضمان رأس المال يعدّ عقد قرضٍ، وعوائده ربا.
- أن يكون الربح محدداً بنسبة شائعة، كأنْ يكون للمودِع مثلاً ربع أو ثلث أو نصف الأرباح، ويكون الباقي للطرف الآخر، ويشترط أن يكون ذلك متفقٌ عليه منذ البداية، إذ إنّ المضاربة تفسد في حال جهالة نسبة الربح.
- النوع الثاني: الفوائد العائدة من البنوك الربوية، فهذه حرامٌ، بل هي عين الربا، ومن كبائر الذنوب؛ لأنّ هذه البنوك تتعامل على أساس الربا بالزيادة على أصل المال، ومن صورها؛ العوائد النقدية عن طريق الإيداع في البنك، إذ لا يحلّ لصاحب المال المودَع أخذ زيادةٍ على أصل ماله، ومن صورها أيضاً؛ الاقتراض النقدي من البنك الربوي مقابل دفع زيادةٍ عن أصل المال للبنك المُقرِض، وهذا كلّه محرّمٌ، لأنّ القرض فيه مشروطٌ بمنفعةٍ، وعلماء الفقه يؤصّلون لهذه الحرمة بنصّ القاعدة الفقهية القائل: "كلّ قرضٍ جرّ نفعاً فهو رباً".
- وتجدر الإشارة إلى أنّ ضمان رأس المال للمودِع يجعل الفوائد البنكية العائدة له من البنك حراماً حتى لو كانت الشروط الشرعية الأخرى متوفرة في المعاملة، وتعمل كثير من البنوك المعاصرة بهذه الصورة المحرمة، وتتعدّد مسمياتها مثل: دفاتر التوفير أو الوديعة أوشهادة الاستثمار التي توزّع فيها الفوائد أحياناً بالقرعة أو بشكلٍ دوري، كما أنّ استثمار المال في مشاريع محرّمة يجعل الفوائد البنكية العائدة منها محرّمة، كاستثمارها في مشاريع تنتشر فيها المنكرات والفواحش، وغيرها.[٥]
- ينبغي على المسلم أن يعلم أنّ الرّبا حرام قليله وكثيره، وأنّ الفائدة البنكية محرّمةٌ سواء كانت تسمّى بالقرض الاستهلاكي أو الإنتاجي؛[٢] لعموم قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).[٦]
- إنّ "الإقراض" القائم على الزيادة بأصل المال محرَّمٌ، ولا تبيحه حاجةٌ ولا تسوّغه ضرورةٌ، كما أنّ "الاقتراض" بقبول دفع زيادةٍ على أصل المال المُقْتَرض محرمٌ كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه ضرورةٌ شرعيةٌ أكيدةٌ ومعتبرةٌ، فتقدّر حينها بقدرها،[٧] بل إنّ بعض المجامع الفقهية المعتبرة لم تُجز مسألة الاضطرار للإقتراض بفائدةٍ عائدةٍ على المُقرض، وأكّدت انعدام وجود مسوّغٍ شرعي له وجهُهُ المعتبر، إذ الأصل أن يلجأ المسلم إذا ألمّت به حاجةٌ أو فاقةٌ إلى الله تعالى ويطرق أبوابه الواسعة، وأن يطلب تيسير الأمور بالطرق المشروعة، قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).[٨][٩]
أضرار الرّبا ومفاسده
أضرار الرّبا ومفاسده يطول مقام بحثها والحديث عنها؛ وذلك لتشعّب أبواب الضرر الحاصل بسببه، فمن أضراره ومفاسده على سبيل المثال:[١٠]- المتعامل بالربا دائم ضيق الصدر، وقسوة القلب، ومصابٌ بالعبودية للمال، والتكالب على المادّيات.
- المجتمع الذي ينتشر فيه التعامل بالربا مجتمع مُتفكِّكٌ، لا يتساعد أفراده فيما بينهم، ولا يُساعد أحدٌ غيره إلا لمصلحةٍ دنيويّةٍ، ولا يرجى لهذا المجتمع دوام سعادةٍ، ولا استتباب أمنٍ.
- أضرار الربا الإقتصادية كثيرةٌ ومدمّرةٌ؛ لأنّ الربا متعلّقٌ بما يجري فيه التداين بين الناس بمختلف صوره وأشكاله، وما ذلك إلا لانعدام صور التكاتف الاجتماعي الذي يدعو إلى العطف على الفقراء والمساكين، وذوي الحاجات.
- التعامل بالربا دعوةٌ لتعطيل الطاقة والقدرات البشرية، وينافي الحثّ على العمل واكتساب المعاش بالوسائل التي تنمّي اقتصاد الدول الإسلامية.
- الاعتماد على العوائد النقدية من البنوك الأجنبية، يجعل مال المسلمين مرهوناً لمنافع غيرهم، كما يؤدي إلى تعطيل النشاط الاقتصادي بالمنافع المشروعة لحاجات الشعوب الإسلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق