سجود السهو
السَّهو لغةً: نسيان الشيء، والغفلة عنه، وأمَّا اصطلاحاً: فهو الغفلة عن الشيء في
الصلاة، ويكون عند ترك مأمورٍ به من أقوال الصلاة أو أفعالها، أو لفعل منهيٍّ عنه أو لشَّكِّه في الصلاة،
[١] واختلف الفقهاء في حكم سجود السهو، واختلافهم على النحو الآتي:
- الحنفية: ذهب الفقهاء من الحنفية إلى وجوب سجود السهو، وسبب
وجوب سجود السهو ترك أحد واجبات الصلاة الأصلية أو تغييره، أو تغيير أحد
فروض الصلاة عن محله الأصلي ساهياً؛ لأن كل ذلك يوجب النقصان في الصلاة
فيجب جبره بسجود السهو.[٢]
- المالكية: ذهب المالكية
إلى أن سجود السهو سنّة، سواء كان سجود السهو قبل السلام أو بعده، وهو
المشهور من المذهب، وقيل: يجب سجود السهو إذا كان قبل السلام وهو مقتضى
مذهب الإمام مالك.[٣]
- الشافعية: ذهب الشافعية إلى أن سجود السهو سنّة، سواء كانت الصلاة فرضاً أم نافلة.[٤]
- الحنابلة: ذهب الفقهاء من الحنابلة إلى أن سجود السهو
واجبٌ لما تبطل الصلاة بتعمّد تركه، ويكون سجود السهو سنّة إذا أتى المصلي
بقولٍ مشروعٍ في غير محله سهواً، ولا تبطل الصلاة بتعمّده، ويكون سجود
السهو مباحاً إذا ترك سنة من سنن الصلاة.[٥]
أحكام سجود السهو
يُشرع سجود السهو لثلاثة أسباب، وتفصيل هذه الأسباب على النحو الآتي:
[٦]
- الزيادة: تكون الزيادة في الصلاة إما بزيادة أفعالٍ أو بزيادة أقوالٍ، وبيان ذلك على النحو الآتي:
- زيادة الأفعال: تنقسم زيادة الأفعال في الصلاة إلى قسمين، وهما كالآتي:
- زيادة أفعالٍ من جنس الصلاة: إذا زاد المصلي فعلاً من من جنس أفعال الصلاة، كالقيام أو القعود، أو السجود
أو الركوع عمداً بطلت صلاته؛ لأنه بذلك يُخِلُّ بنظم الصلاة، ويُغيّر
هيئتها، أمَّا إن كانت الزيادة سهواً فإنه يسجد للسهو وجوباً؛ لقول النبي
صلى الله عليه وسلم: (إذَا زَادَ الرَّجُلُ، أوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ)،[٧]
ومتى ذكر المصلي أنه زاد في صلاته عاد إلى الترتيب من غير تكبير؛ لإلغاء
الزيادة، وعدم الاعتداد بها، وإذا زاد المصلي ركعة -أي قام إلى ركعةٍ
زائدة- كزيادة ركعةٍ ثالثةٍ في صلاة الفجر،
أو رابعةٍ في صلاة المغرب، أو خامسة في صلاة الظهر أو العصر أو العشاء؛
فإنه يقطع تلك الركعة متى تذكّر، ويجلس للتشهّد؛ لأنه لو لم يجلس لزاد في
الصلاة عمداً، وذلك مبطلٌ للصلاة.
- زيادة أفعالٍ من غير جنس الصلاة: إذا زاد المصلّي في صلاته
فعلاً من غير جنس أفعال الصلاة، وكان الفعل الزائد متتابعاً وكثيراً في
العادة لغير ضرورة، كالمشي أو فتح بابٍ أو غيره؛ فإن ذلك يُبطل الصلاة،
سواء كان متعمداً أو ناسياً أو جاهلاً؛ لأنه قطع بذلك الموالاة بين
الأركان، فإن كان فعله لضرورةٍ كخوفٍ أو هربٍ من عدوٍ، فلا يُبطل الصلاة؛
لأن الضرورات تبيح المحظورات، ولا تبطل الصلاة إن كان الفعل الزائد يسيراً
في العادة، أو كان الفعل متفرّقاً غير متتابع وإن كان كثيراً، ولا يُشرع
للفعل الزائد من غير جنس أفعال الصلاة سجود للسهو، ولو كان فعله سهواً،
ويُكره العمل اليسير من غير جنس أفعال الصلاة إن كان لغير حاجة؛ لأنه يُذهب
الخشوع في الصلاة.
- زيادة الأقوال: تنقسم زيادة الأقوال في الصلاة إلى قسمين، وهما على النحو الآتي:
- زيادة مشروعة: وهو أن يأتي المصلي بقولٍ من جنس أقوال
الصلاة في غير موضعه، كالقراءة في موضع السجود، أو التشهد في موضع القيام،
فإن ذلك لا يُبطل الصلاة، ولو كان متعمّداً، ويُسنّ له السجود لسهوه؛ لعموم
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا نَسِيَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ)،[٨] وإن أتى المصلي بذكرٍ أو دعاءٍ لم يرد شرعاً، كأن يقول: آمين ربَّ العالمين، أو يقول في التكبير: الله أكبر كبيراً، لم يُشرع له أن يسجد للسهو.
- زيادة غير مشروعة: وهي زيادةٌ تُبطل الصلاة، كأن يأتي المصلي
بقولٍ من غير جنس أقوال الصلاة، ككلام الآدميين، وإن سلّم المصلي ناسياً،
ثم تكلّم يسيراً عرفاً لمصلحة الصلاة لم تبطل صلاته، وكذلك إن سبق على
لسانه في حال قراءته كلمة ليست من القرآن،
أو غلبه عطاسٌ أو سعالٌ أو تثاؤبٌ فظهر حرفان لم تبطل الصلاة؛ لأنه يصعب
التَّحرُّز منه، وإن قهقه المصلي في الصلاة بطلت صلاته، ولو لم يبيّن
حرفان، ولا تبطل الصلاة إن تبسّم، وإن نفخ فبان حرفان بطلت، أو رفع صوته
بالبكاء لا من خشية الله فبان حرفان بطلت، أو تنحنح لغير حاجةٍ فبان حرفان
بطلت صلاته.
- النقصان: إذا ترك المصلّي تكبيرة الإحرام ناسياً لم تنعقد صلاته، وإن ترك ركناً من أركان الصلاة
غير تكبيرة الإحرام ثم تذكّره بعد شروعه في قراءة ركعةٍ أُخرى بطلت الركعة
التي ترك منها الركن، وقامت الركعة التي تليها مقامها، ولا يجوز للمصلي
الرجوع إلى الركعة السابقة بعد الشروع في القراءة، فإن عاد إلى الركعة
السابقة عالماً عامداً بطلت صلاته، وأمَّا إن ذكر الركن الذي تركه قبل
الشروع في القراءة في الركعة الأخرى، فعليه أن يعود وجوباً فيأتي بالركن
الذي تركه، وبما بعده؛ لأن الركن لا يسقط بالسهو، وما بعد الركن قد أتى في
غير محلّه، فإن لم يعد عمداً بطلت صلاته، وإن لم يعد سهواً بطلت الركعة،
وتكون التي تليها عوضاً عنها، أمَّا إن علم المصلّي بأنه ترك ركناً بعد أن
سلّم فهو كترك ركعة؛ فيأتي بركعةٍ ويسجد للسهو بشرط ألا يطول الفصل، وإن
كان الذي تركه تشهّداً أخيراً أو سلاماً فيأتي به ويسجد للسهو ويُسلّم.[٩]
- وإن
ترك المصلّي التشهد الأوّل ناسياً لزمه الرجوع إلى التشهّد والجلوس له ما
لم ينتصب قائماً، فإن استتم قائماً كُره رجوعه، وإن بدأ في القراءة حرم
عليه الرجوع؛ لأن القراءة ركنٌ مقصودٌ بنفسه بخلاف القيام، فإن رجع بعد
شروعه في القراءة عالماً عامداً بطلت صلاته، وأمَّا إن رجع ناسياً أو
جاهلاً لم تبطل صلاته، وعليه سجود السهو.[٩]
- الشك: إذا شكّ المصلّي في عدد الركعات، فلم يدري كم صلّى، كأن يشك في صلاة الظهر
هل صلى ركعتين أم ثلاثة؟ فإنه يبني صلاته على الأقل؛ لأن اليقين يحصل
بالأخذ بالأقل، وإن شكّ المصلّي هل دخل مع الإمام في الركعة الأولى أو في
الثانية؟ بنى على اليقين، وهي الركعة الثانية، وإن شكّ من أدرك الإمام
راكعاً هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه الركعة أم لا؟ بنى على اليقين
ولم يعتدّ بتلك الركعة؛ لأنه شاكٌّ في إدراكها، ويسجد للسهو، وإن شكّ
المصلّي بترك ركنٍ فهو كتركه، فيأتي بالركن، وبما بعده إن لم يكن شرع في
القراءة في الركعة الأخرى.[٩]
- فإن
شرع في القراءة صارت هذه الركعة بدلاً عن الركعة السابقة، ولا يسجد المصلي
للسهو إن شكّ في ترك واجبٍ كتسبيح ركوعٍ أو غيره، ولا يسجد للسهو كذلك إن
شكّ في زيادة شيءٍ في الصلاة إلا إن شكّ في الزيادة في وقت فعلها، كأن يشكّ
المصلّي في أثناء الركعة الأخيرة هل هي الركعة الرابعة أم الخامسة؟ فإنه
يسجد لشكّه، ومن شكّ في عدد الركعات، وبنى على اليقين، ثم زال شكّه وعلم
أنه مصيبٌ فيما فعله لم يسجد للسهو.[٩]
مواضع سجود السهو
اختلف الفقهاء في موضع سجود السهو في الصلاة، واختلافهم على النحو الآتي:
[١٠]
- الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن موضع سجود السهو بعد السلام
مطلقاً، سواءٌ كان سبب سجود السهو الزيادة أو النقصان، فيسلّم المصلّي
تسليمةً واحدة على الأصح، ثم يسجد للسهو، ثم يتشهّد ويُسلّم، فإن سلّم تسليمتين سقط سجود السهو.
- المالكية: ذهب المالكية إلى التفريق بين السجود الذي سببه
الزيادة، والسجود الذي سببه النقصان، وقالوا: يكون السجود قبل السلام إن
كان سببه النقص في الصلاة، وأمَّا إن كان سببه الزيادة فإن سجود السهو يكون
بعد السلام.
- الشافعية: ذهب الشافعية في القول الجديد عندهم وهو الأظهر إلى أن سجود السهو يكون قبل السلام، وقيل: يتخيّر إن شاء قبل السلام، وإن شاء بعده.
- الحنابلة: ذهب الحنابلة في المعتمد عندهم إلى أن سجود السهو
يكون قبل السلام إلا في موضعين، وهما: إذا سلّم المصلي من نقص ركعةٍ فأكثر،
والثاني إذا تحرّى الإمام فبنى على غالب ظنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق