وجود الماء على الأرض بوفرة يُعدّ
لغزاً حيّر العلماء ردحاً من الزمن , متسآئلين عن ماهية أصل هذا الماء ,
فمع تشكل كوكب بعد الإنفجار العظيم , كان مناخ الأرض حاراً جداً لدرجة أن
جميع مياهه السطحية قد تبخرت , وهذا دفع بالعلماء إلى اقتراح نظريات مفادها
أن تلك المياة الموجودة على كوكبنا ما هي إلا نتيجة تصادمات المذنبات
الجليدية والكويكبات المحملة بالماء بسطح الأرض , فامتلئت محيطات الأرض
بهذه الماء القادم من الفضاء .
بينما تًشير دراسات أخرى إلى أن بعضاً من مياه الأرض
قد اختُزنت في الصخور المنصهره في وقت مبكر قبل أن تتبخر , ثم عادت إلى
الظهور من جديد , حيث يعتقد العلماء أنه إذا تبين أن المياه جزء طبيعي من
ولادة أي كوكب , وليس بسبب ضربات المذنبات , فإن ذلك يزيد من احتمالات
الحياة في اي مكان آخر في الكون له نفس الظروف .
ولتحديد الظروف التي كانت عليها الأرض
في بداية تكونها , قام مجموعة من الباحثين بدراسة الصخور البركانية في
منطقة آيسلندا وجزيرة بافين في المنطقة القطبية الكندية حيث تتدفق الحمم
البركانية التي نشأت في طبقة الوشاح , والتي بقيت على حالها منذ أن تشكل
الكوكب قبل 4.5 مليار عام , ثم خرجت إلى السطح , فهذه الأعمدة الصخرية
المنصهرة تقدم لمحة عن التركيبة الجيولوجية الأصلية للأرض .
وجد العلماء آثار مائية في الصخور
البركانية , ثم قاموا بتحليل الماء لقياس النسبة بين نوعي الهيدروجين , حيث
تحتوي معظم المياه الموجودة على الأرض على ذرتين من الهيدوجين المألوفة
وذرة أكسجين (H2O) , ولكن في بعض جزيئات الماء ، يتم استبدال هذا الهيدروجين "الطبيعي" بنظائره المشعة مثل الديوتيريوم deuterium ويشكل في تلك الحالة "الماء الثقيل",
وتمتلك محيطات الأرض الآن نسبة مميزة من الديوتريوم إلى الهيدروجين (D /
H) - وهذا أقل بكثير من نسبة D / H لجميع المذنبات التي تمكّن العلماء من
دراستها ,وهذا قد يقلل من صحة النظرية القائلة بأن جميع ماء الأرض جاء عن
طريق التصادمات العشوائية للمذنبات بالأرض .
وجد العلماء بعد دراسة الماء من الصخور
البركانية أن النسبة بين الهيدروجين العادي ونظيره المشع أقل بكثير مما هي
عليه المحيطات اليوم , وبذلك تقول النتيجه أن الأرض قد احتفظت بالفعل ببعض
مياهها عند بداية تكونها , ويرجع ذلك إلى أنه عندما كان النظام الشمس
عبارة عن قرص من الغبار والماء الذي يدور حول الشمس , ثم اندمج ليُشكل
الأرض , كانت الأرض ساخنة جداً حيث تبخر ماؤها السطحي , ولكن الأرض كانت
كبيرة بما يكفي لاحتجاز بعض الماء في خزان مغلق في الصخور تحت السطح , فظل
هناك في طبقة الوشاح لملايين السنين , حتى بردت القشرة الأرضية وتصلبت
وتكونت فوهات البراكين التي أخرجت هذا الماء المخزن على شكل بخار في الغلاف
الجوي , وبمجرد أن أصبح الغلاف الجوي مشبعاً بما يكفي ببخار الماء , تكونت
الأمطار التي هبطت على سطح الأرض وملئت المحيطات .
ولكن زادت نسبة D / H ( نسبة الهيدروجين العادي إلى نسبة نظيره الديوتيريوم )
, على الأرض إلى مستوياتها الحالية بمرور الزمن , وربما جاء جزء منها عن
طريق المذنبات والكويكبات الغنية بالماء لتكّون الماء الثقيل .
مصدر المقال / cosmosmagazine
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق