الأم
الأمُّ شجرةُ الحياة، حاضنةُ الجمال، نديمةُ الضوء، وخازنة الحياةِ الأولى، تحملُ وتلدُ وتُربِّي وتتعب، لتجني الإنسانيّة كلُّها ثمارَ تربيتها، وحصاد تعبها، تُعطي ولا تسأل، إذْ تمنحُ الحنانَ والمودة والخير لأولادِها دون مقابل، فلكلِّ هذه المكارم خَصَّها الإسلامُ بكثيرٍ من الاحترام وحَباها الله -سبحانه وتعالى- الأجر، وأمرَ ببرِّها وبالإحسان إليها، والدعاء لها في حياتها وبعد أن يتوفّاها الله تعالى، وقد فصّل الإسلام في برِّ الأم وقدَّمَه في كثير من الحالات على الجهادِ في سبيل الله، وقد خصّصَ الإسلام دعاء للأم المتوفية، والمريضة وجعل للداعي فضلًا كبيرًا وأجرًا إلهيًّا عظيمًا.دعاء للأم المتوفية
يحزنُ القلب، ويأسى على وداع شمعة الدنيا، التي تضيءُ الطريق لأولادِها لكيْ يَسيروا على أحسنِ حال في حياتهم، فإذا رحلتْ -وهذه سنّةُ الكون- البقاء لله وحده، وكلُّ من على هذه البسيطة فانٍ لا محالة، وكما قال الشاعر: ألّا كلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلُ، فإنَّ الإسلام ذكر في كثير مما ورد في السنة النبوية من دعاء للأم المتوفيّة، قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح". [١]وقد وردَ أنّ رجلًا من الأنصار جاء إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- فقال: "هل بقيَ من برِّ أبوي شيءٌ بعد موتِهما؟، فقالَ: خصالٌ أربعٌ: الصَّلاة عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلةُ الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما" [٢][٣]
وقد ورد في كتاب الله تعالى قولُ الله على لسان نبيّه إبراهيم –عليه السلام-: "ربَّنّا اغفرْ لي ولوالديَّ وللمؤمنينَ يومَ يقومُ الحسابُ" [٤]، وورد أيضًا في كتاب الله على لسان نبيِّه نوح –عليه السلام- قوله: "ربِّ اغفرْ لي ولوالديَّ ولمن رخَلَ بيتيَ مؤمِنًا". [٥][٦]
دعاء للأم المريضة
إذا تعرّضتِ الأم لمرض، فإن نورَ الحياة يَخبو في عيونِ الأبناء، ويصبحُ أعلى همِّهم السعيَ في سبيلِ شفائها بأيّ طريقة كانتْ، وبأيّ ثمنٍ يُمكنُ أنْ يُدفع، فأوّل ما يخطر في ذهنِ الولد الصّالح، هو مقدار الحبّ والعناية التي منحتْهُ هذه الأم لهذا الولد حتى شبّ وأصبح قادرًا على أنْ يعوِّضَها بقليل من العناية والحب، وأنْ يدعو الله تعالى لها بالشفاء العاجل، وقد وردتْ الرقية الشرعية في الإسلام، وقد جعلها الله –عزّ وجلّ- سببًا للشفاء بإذنِهِ تعالى، وقد وردتْ أحاديث كثيرة في بيان كيفية الرقية الشرعية، وخير ما يستشفى بهِ كتابُ الله عزَّ وجلَّ، وقد أرشدنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى قراءةِ المعوذتينِ، والفاتحة على المريضِ، وإنْ كان القرآن كله شفاء، كما قالَ الله عز وجلّ: "وننزِّلُ من القرآنِ ما هوَ شِفاء". [٧]وأمّا ما وردَ في صحيح السنّة النبويّة من الأدعية التي يذكرُها المؤمن عندَ الدعاء لأحدِهم بالشفاءِ ما وردَ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: قولُهُ: "أذهبِ البأس ربَّ الناس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلّا شفاؤكَ، شفاءً لا يُغادرُ سقمًا" [٨][٩]
دعاء للأم بالشفاء العاجل
علَّمَنا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في حالاتِ المرض أمورًا فيها الشِّفاء والتخفيف، كما أنَّ فيها الأجر والمثوبة، وذلكَ من رحمة الله بهذه الأمّة المباركة، ومن حرصِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليها، وهو الذي وصفه الله بقوله: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَّحِيمٌ". [١٠]وقد ورد عَن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- أنّها قَالَت:" كَانَ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِن أَهلِهِ نَفَثَ عَلَيهِ بِالمُعَوِّذاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَه الذي مَاتَ فِيهِ، جَعَلتُ أَنفُثُ عَلَيهِ وَأَمسَحُ بِيَدِ نَفسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَت أَعظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي". [١١]
ووردَ عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ جِبرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أشتَكَيتَ؟، فَقَالَ : نَعَم، فَقَالَ جِبرِيلُ -عَلَيهِ السَّلامُ-: بِاسْمِ اللهِ أَرقِيك، مِن كُلِّ شَيْءٍ يُؤذِيك، مِن شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أَو عَينٍ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشفِيكَ، بِاسمِ اللَّهِ أَرقِيكَ". [١٢]
ولا بُدَّ للمؤمن إيمانًا حقًّا، من أنْ يُراعي في قلبِهِ قبل هذه الأدعية أمورًا مهمة، وهي من أهمِّ أسباب استجابة الدعاء، وهي:
- الإخلاص لله في الدُّعاء حقّ الإخلاص، والتيقّن من استجابة الله تعالى.
- الصدق في اللجوء إلى الله تعالى.
- تلمُّس أوقات الإجابة، فإن الله تعالى يستحي إذا رفع العبد يديْهِ في الدعاء أن يردَّهما خائبتيْن.
- عدمُ الاستعجال في الإجابة، فقد يؤخّر الله فَرَجَه لِحِكمةٍ يعلمها. [١٣].
فضل الدعاء للأم
لا شكَّ في أنَّ دعاءَ المسلم لأمهِ أو لأخيه المسلم بظهر الغيب، أنفع وأرجى للإجابة؛ فقد أخبرنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابةٌ، عندَ رأسهِ ملكٌ موكَّل بهِ، كلما دعا لأخيه، قال المَلكُ الموكَّلُ به: آمين ولك بمثل". [١٤]ولذلك فإنّ على المؤمنِ أنْ يخلصَ في دعائهِ لأمِّه، ولأخيه المسلم، حتى يحصل له مثل ما يحصل لمن دعى له بالخير، كما قال النَّووي في شرح مسلم: "وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة؛ لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب، وَيَحْصُل لَهُ مِثْلهَا"، فعلى المؤمن أنْ يدعو لأمِّه في كلّ حالاتها؛ سواء في مرض أو شفاء، أو كانت على قيد الحياة أو بين يدي الله؛ لأنّ ذلك فيه أجرٌ، وله بمثلِ ما يدعو لها من الخير، والله يُضاعف لمَن يشاء. [١٥]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق