الحلاج
قبلَ الحديث عن أجمل أشعار الحلاج، لا بُدّ من ذِكر موجَز سَريع عن حياته، فهو واحد من أعمدة الشعر الصوفي، بل وفي مذهب التصوف، وهو الحسين بن منصور بن المحمى، الملقب بالحلاج، قيل إنه ولد في بلاد فارس، وقيل في العراق، إذ إنه مولود في البيضاء، والخلاف إذا ما كانت تلك التي في بلاد فارس أو العراق، آثار فتنة عظيمة في بلاد الإسلام، إذ شاع اعتقاده بعد التنقل والأسفار، وهو اعتقاد اتحاد الحلول، والذي يعني بأن الله يحل في مخلوقاته، وأنه حل في الحلاج، فأصبح هو الله -تعالى الله عن ذلك- وتاليًا يذكر رأي العلماء فيه، وما حصل معه بعد ذيوع صيته، وتاليًا تذكر أجمل أشعار الحلاج.[١]أقوال العلماء في الحلاج
بعد الحديث عن الحلاج، وأهم أحداث حياته في ابتدائها، وقبل الحديث عن أجمل أشعار الحلاج، لا بُدّ من ذكر ما حصل في حياته مؤخرًا، والسبب الذي دعا علماء المسلمين ليختلفوا بين تفسيقه أو تكفيره، مع أن جمهور العلماء اتفقوا على تكفيره، وهذا ما يدل على خطورة مذهبه الذي قضى عمره وهو يدعو إليه متنقلًا بين البلدان، والحقيقة أن الحلاج كان في الابتداء متعبدًا، ولكن على جهل، فضلّ وأضل معه الكثير، إذ كان تعبده على نمط تعبد متصوفة الهند، وقد كان الحلاج يظهر للناس تعبدًا وزهدًا وتنسكًا وصبرًا، وقد دمج نفسه مع الكل، وتماشى مع كل طائفة كان يقابلها، فكان سنيًا مع أهل السنة، شيعيًا مع الشيعة، رافضيًا مع الروافض، أشعريًا مع الأشاعرة، ممّا قرب منه أناسًا كثر، وجلعهم يتبعونه لجهلهم، وتعلم السحر والشعوذة، وتلكم جملة مما يقول: "النقطة أصل كل خط، والخط كلّه نقط مجتمعة، فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط، وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك عن النقطة بعينها، وكلّ ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين، وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين، ومن هذا قلت: ما رأيت شيئًا إلّا رأيت الله فيه"، ولما وصل به الأمر، لأن يعتقله الخليفة العباسي المقتدر بالله، وذلك عندما ذاع صيته، وكثر أتباعه، وانتشر فكره بين الناس، وأدرك العلماء خطورة ما يدعو إليه.[٢]فصلبه الخليفة، للتخويف والزجر، فلم يثنه ذلك عمّا هو متمسك به من اعتقاد، فأفتى العلماء بجواز قتله أمام أعين الناس، ليكون لهم عبرة، وأفتوا بكفر معتقده وبطلانه، وذلك بعد تأكدهم من أتباعه أنه ادّعى الربوبية والألوهية، وثبت عنه قوله: "نعم، رب في السماء، ورب في الأرض!"، ولم يكن مشهد قتله سهلًا، بأن يجلد بالسوط ألف جلدة، وأن تقطع يداه ورِجلاه، ونفّذ فيه الإعدام، بعد أن صلب على جسر بغداد، وعند ازدحام الناس حوله، ادّعى بأنه سيعود بعد ثلاثين يومًا، فتمثل الشيطان بشكله، ليغوي الناس، وقيل إن رأسه تدحرج بعد قطعه ليشكل بتناثر دمه كلمة "الله"، فقد كان مذهب الحلاج من أخطر ما طرأ على الإسلام، مما يحمله من معتقدات كفرية، لا تمتّ للإسلام بصلة.[٢]
وقد قال ابن تيمية في الحلاج: "مَنِ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَلاجُ مِنَ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أنا الله، وَقَوْلِهِ: إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ.. وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنَ السِّحْرِ وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنَ الآلِهَةِ: فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ، وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ"، ولا ينكر أن للحلاج شعرًا جميلًا، فقد أوتي لسانًا فصيحًا، وليته أوتي عقلًا رجيحًا، وتاليًا تذكر أجمل أشعار الحلاج.[٢]
أجمل أشعار الحلاج
بعد ذكر الحلاج، وحياته، وتفاصيل الأحداث التي أدت إلى مقتله، حتى أنّ الإمام الجنيد -رحمه الله- كان الحلاج ملازمًا إياه، فلما عرف الإمام الجنيد -رحمه الله- نفس الحلاج، تنبأ بأنه سيفسق، وقد تحققت نبوءة الإمام الجنيد رضوان الله عليه، وذلك بعد أن قتل الحلاج بعد انتشار فكره الخطير، الذي كان مشجعًا ومحبوبًا لدى المستشرقين، وكل ما ينخر بالإسلام الحنيف هو شيء محبب لديهم، وتاليًا تذكر أجمل أشعار الحلاج:[٣]- يقول الحلاج:
-
-
-
- بخالصٍ من خِفّي وَهْم
-
-
-
-
-
- أدقّ من فهم وهم همّي
-
-
-
-
-
- أمُرُّ فيه كمرّ سهـــم
-
-
-
-
-
- مركّب في جناح عزمي
-
-
-
-
-
- رمزت رمزاً و لم اسمّي
-
-
-
-
-
- في فلوات الدنّو أَهْمِـي
-
-
-
-
-
- فما تجاوزتُ حدّ رَسْمي
-
-
-
-
-
- حدّ قيادي بكفّ سلْمـي
-
-
-
-
-
- بميسم الشوق أي وسـم
-
-
-
-
-
- بالقرب حتّى نسيتُ اسمي
-
-
- ومن أجمل أشعار الحلاج:[٤]
-
-
-
- لبّيك لبّيك يا قصدي و معنائـي
-
-
-
-
-
- ناديتُ إيّاك أم ناجيتَ إيّائـــي
-
-
-
-
-
- يا منطقي و عباراتي و إيمائـي
-
-
-
-
-
- يا جملتي و تباعيضي و أجزائي
-
-
-
-
-
- و كل كـلّك ملبوس بمعنائــي
-
-
-
-
-
- وجدا فصرتَ رهينا تحت أهوائي
-
-
-
-
-
- طوعًا و يسعدني بالنوح أعدائـي
-
-
-
-
-
- شوق تمكّن في مكنون أحشائـي
-
-
-
-
-
- مولاي قد ملّ من سقمي أطبّائـي
-
-
-
-
-
- يا قوم هل يتداوى الداء بالدائـي
-
-
-
-
-
- فكيف أشكو إلى مولاي مولائـي
-
-
-
-
-
- فما يترجم عنه غير ايمائـــي
-
-
-
-
-
- عليَّ منّي فإنّي اصل بلوائـــي
-
-
-
-
-
- تَغوثُّاً و هو في بحر من المـاء
-
-
-
-
-
- إلا الذي حلَّ منّي في سويدائـي
-
-
-
-
-
- وفي مشيئِتِه موتي وإحيائــي
-
-
-
-
-
- يا عيش روحي يا ديني ودنيائي
-
-
-
-
-
- لِمْ ذا اللجاجة في بُعدي وإقصائي
-
-
-
-
-
- فالقلب يرعاك في الأبعاد والنائي
-
-
- ومن أجمل أشعار الحلاج:[٥]
-
-
-
- وللعلـــوم و أْهلِيها تجاريب
-
-
-
-
-
- والبحر بحران مركوب و مرهوب
-
-
-
-
-
- والناس اثنان ممنوح و مسلــوب
-
-
-
-
-
- وانظرْ بفهمك فالتمييز موهــوب
-
-
-
-
-
- له مَراقٍ على غيري مصاعيـــب
-
-
-
-
-
- خاضَتْهُ روحي و قلبي منه مرغـوب
-
-
-
-
-
- لكــنه بِيَدِ الأفهــام منهـــوب
-
-
-
-
-
- و الماء قد كان بالأفواه مشـــروب
-
-
-
-
-
- و الجسم ما ماسَهُ من قبل تركيــب
-
-
-
-
-
- قلبــي لِغيْبَتِهِ ما عشـْــتُ مكروب
-
-
-
-
-
- و لــي كلام إذا ما شئتُ مقلــوب
-
-
-
-
-
- صَحْبِيَ ومن يُحْظ بالخيرات مصحوب
-
-
-
-
-
- فأشرقَتْ شمسهم والدهــر غِربيـب
-
-
- ومن أجمل أشعار الحلاج أيضًا:[٦]
-
-
-
- ويا مكان السرّ من خاطـري
-
-
-
-
-
- أحبّ من بعضي و من سائري
-
-
-
-
-
- مُعَلَق في مخلبي طائــــر
-
-
-
-
-
- يهرب من قفر إلى آخـــر
-
-
-
-
-
- تسري كلمح البارق النائــر
-
-
-
-
-
- على دقيق الغامض الغابـر
-
-
-
-
-
- لطائف من قدرة القـــادر
-
-
- ومن أجمل أشعار الحلاج أيضًا:[٧]
-
-
-
- وعِلْمٌ ثم وَجْدٌ ثم رَمْـــس
-
-
-
-
-
- وبردٌ ثم ظلّ ثم شمـــس
-
-
-
-
-
- ونهر ثم بَحْرٌ ثم يَبْــــس
-
-
-
-
-
- وقرب ثم وفر ثم أُنْــــس
-
-
-
-
-
- وفرق ثم جمع ثم طَمْـــس
-
-
-
-
-
- ووصف ثم كشف ثم لبــس
-
-
-
-
-
- لديهم هذه الدنيا و فِلْــــس
-
-
-
-
-
- عبارات الورى في القرب همس
-
-
-
-
-
- إذا بلغ المدَى حظّ و نفـــس
-
-
-
-
-
- وحقّ الحقّ في التحقيق قُـدْس
-
-
- ومن أجمل ما قال الحلاج:[٨]
-
-
-
- ولم يراع اتّصالاً كان غَشَّاشـا
-
-
-
-
-
- فكل ما خلت من عقلها حاشـا
-
-
-
-
-
- لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
-
-
-
-
-
- وأبدلوه مكان الأُنْس ايحاشــا
-
-
-
-
-
- لمّا رأوه على الأسرار نبَّاشــا
-
-
-
-
-
- فذاك مثل يبين الناس طيّاشــا
-
-
-
-
-
- لا يصبرون على ما كان فحَّاشا
-
-
-
-
-
- ولا يحبّون سِتْراً كان وَشْواشا
-
-
-
-
-
- حاشا جلالهم من ذلِكم حاشـا
-
-
-
-
-
- إليهم ما بقي الدهر هشَّاشــا
-
-
- ومن أجمل أشعار الحلاج أيضًا:[٩]
-
-
-
- فيما وراء الحيثِ يَلْقَى شاهد القِدَم
-
-
-
-
-
- سحائبُ الوحي فيها أبْحُر الحكـم
-
-
-
-
-
- أودى و تذكاره في الوهم كالعـدم
-
-
-
-
-
- أقوال كل فصيح ٍمِقْوَل فهـــم
-
-
-
-
-
- لم يبق منهنّ إلا دارس الرمــم
-
-
-
-
-
- كانت مطاياهم من مكمد الكظـم
-
-
-
-
-
- مُضِيَّ عادٍ و فـُقـْدانَ الأُلى إِرَم
-
-
-
-
-
- أعْمى من البهم بلْ أعمى من النعم
-
-
- ومن أجمل أشعار الحلاج:[١٠]
-
-
-
- إنّ في قتـْلي حياتــــي
-
-
-
-
-
- وحياتي في مماتـي
-
-
-
-
-
- من أجّل المكرمـات
-
-
-
-
-
- من قبيح السّيّئــات
-
-
-
-
-
- في الرسوم الباليـات
-
-
-
-
-
- بعظامـي الفانيــات
-
-
-
-
-
- في القبور الدارسـات
-
-
-
-
-
- في طوايا الباقيــات
-
-
-
-
-
- في علوّ الدارجــات
-
-
-
-
-
- في حجور المرضعات
-
-
-
-
-
- في أراضٍ سبَخــات
-
-
-
-
-
- أنَّ ذا من عجبـاتـي
-
-
-
-
-
- ـن بناتـي أخواتــــي
-
-
-
-
-
- لا ولا فعل الزنــاةِ
-
-
-
-
-
- من جسـورٍ نيــرات
-
-
-
-
-
- ثم من ماء فـــرات
-
-
-
-
-
- تـُرْبُها تـرب مـوات
-
-
-
-
-
- من كـؤوس دائـرات
-
-
-
-
-
- وسـواق ٍجاريــات
-
-
-
-
-
- أنبتـَتْ خير نبــات
-
-
- ومن أجمل ما نظم الحلاج:[١١]
-
-
-
- يا مُنـْيـَةَ المُتـَمَنّـِي
-
-
-
-
-
- ظننتُ أنـّك أنـّــي
-
-
-
-
-
- أفنيتنـَي بك عنـّــي
-
-
-
-
-
- و راحتي بعد دفنـــي
-
-
-
-
-
- من حيث خوفي وأمنـي
-
-
-
-
-
- قد حّويْـت كل فنـّـي
-
-
-
-
-
- فأنت كل التمنـّـــي
-
-
- ومما قاله الحلاج:[١٢]
-
-
-
- تـَيَقـَّنْتُ أنّ القرب والبُعد واحد
-
-
-
-
-
- وكيف يصحّ الهجر والحُبّ واجد
-
-
-
-
-
- لعبدٍ زكـّي ٍما لغيرك ساجــد
-
-
- ومن أجمل أشعار الحلاج:
-
-
-
- وأَجِرْ سيـّدي فإنـّي وحيد
-
-
-
-
-
- إنّ في البدء بدء أمري شديد
-
-
-
-
-
- فاقرؤُا واعلموا بأنّي شهيـد
-
-
-
-
-
- ـبرُ قلبي عــن فؤادي
-
-
-
-
-
- في دنـّوٍ وبعــادي
-
-
-
-
-
- ـك أنـّـي و مـــرادي
-
-
-
-
-
- فهِمْت في كلّ وادي
-
-
-
-
-
- فقد عدمت رقادي
-
-
-
-
-
- بكم يطول إِنفرادي
-
-
- ومن مقطوعاته:
-
-
-
- حاضر غائب عن اللحظات
-
-
-
-
-
- كي أعي ما يقول من كلمات
-
-
-
-
-
- و لا مثل نغمة الأصــوات
-
-
-
-
-
- على خاطري بذاتي لذاتــي
-
-
-
-
-
- وهو لم تحوه رسوم الصفات
-
-
-
-
-
- و أخفى من لائح الخطـرات
-
-
- ومن مقطوعاته:
-
-
-
- في جانب الأُفْق ِمن نور بـِطيَّات
-
-
-
-
-
- فالغيب باطنه للذاتِ بالـــذات
-
-
-
-
-
- قصدا و لم يعرفوا غير الإشارات
-
-
-
-
-
- نحوَ الهواء يناجون السمــاوات
-
-
-
-
-
- مُحِلَّ حالاتهم في كل ساعــات
-
-
-
-
-
- و ما خلا منهم في كل أوقــات
-
-
- ومن مقطوعاته:
-
-
-
- كتبتُ على روحي بغير كتابِ
-
-
-
-
-
- و بين مُحِبـيِّها بِفَصْلِ خطابِ
-
-
-
-
-
- ولكنـّي أريـدك للعقـاب
-
-
-
-
-
- سوى ملذوذِ وجدي بالعَذَاب
-
-
-
-
-
- سوى ملذوذِ وجدي بالعَذَاب
-
-
- ومن مقطوعاته:
-
-
-
- لستُ أعرف حالهـا
-
-
-
-
-
- وأنا اجتنبت حلالهـا
-
-
-
-
-
- فرددْتها وشمالهــا
-
-
-
-
-
- فوهبتُ جملتها لهـا
-
-
-
-
-
- حتـّى أخاف ملالها
-
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق