شعر المدح
يُعدُّ الشعر أحد أهمّ أعمدة الأدب العربيّ منذ القديم إن لم يكن الأهم، فقد ظهر منذ العصر الجاهليّ إلى العصر الحديث من لا حصر لهم من الشعراء الذين أثرَوا المكتبة العربيّة والأدب العربيّ بملايين القصائد التي تمثّل العصب الأكبر الذي يغذّي الثقافة العربيّة، وقد كان غرض المدح أو المديح غرضًا قديمًا من أغراض الشعر العربي منذ العصر الجاهلي، وقد عُني هذا الغرض بعناية الشعراء فاعتنوا به وضافوا عليه قصائد كثيرة، فكان الشعراء يمدحون الرجل بما فيه من صفات الرجولة والفروسية، وبعد مجيء الإسلام صار الشعراء يضيفون الصفات الإسلامية على الممدوح؛ ليزيدوه بذلك قَبولًا عند سامع هذا الشعر، وسيقف هذا المقال مع قصائد من شعر مدح الرجال.[١]شعر مدح الرجال
لقد مرّ غرض المدح في الشعر العربي من العصر الجاهلي إلى العصر الإسلامي فما بعده بتطوّرات كبيرة غيّرت من مفهوم شعر مدح الرجال في بعض مفاصله، فبعد أن كان الرجل يُمدح بالكرم والحِلم والسّخاء والمروءة والبأس والعدل وحماية الجار والشجاعة وغير ذلك من الصفات العربية المثالية للرجل الحقيقي الفارس؛ صار الشعراء يمدحون الممدوح بصفات يغلّفونها بلبوس الصّفات الإسلاميّة المشهورة؛ كالتواضع، والورع والتقوى والوقار، وغير ذلك من الصفات التي ترتبط بمفاهيم الدّين الإسلامي السّمح، ولعلّ أكثر من مدحهم الشعراء منذ فجر الإسلام هم الخلفاء؛ إذ كان الشعراء يتكسّبون بمدح الخلفاء، وحتى لو كان الخليفة سيّئ الخُلُق وغير جدير بتلك المدائح فإنّهم كانوا يغالون في مدحه، ولعلّ السّبب في ذلك هو مدحهم لشخصيّة الخليفة فيه لا هو بعينه، فهم يمدحون خليفة المسلمين جميعًا الذي تُعقَدُ عليه آمال الأمّة، فلا أحد يعلم عن شخصيّته الحقيقية سوى المقرّبين منه، وذلك ليبقى كبيرًا في عيون العامّة.وجسم قصيدة المديح بقي ثابتًا منذ العصر الجاهلي إلى بدايات العصر الحديث، فيبدأ الشاعر بمقدمة طلليّة أو غزليّة -وهو ما يُسمّى النّسيب- يفتتح بها قصيدته ليشدّ القارئ إليه، ثمّ يصف بعدها طريقه إلى الممدوح وهو يركب الإبل أو الخيل إلى أن يصل إلى الممدوح، ثمّ بعدها يدخل الشاعر في صلب القصيدة وموضوعها الأهم وهو مدح الرجل المقصود من نظم القصيدة منذ البداية، فيُسهب الشاعر في وصف صفات الممدوح وخصاله الفريدة وغير ذلك، ومن مندوحة الذّكر القول أنّه في العصور التالية للعصر الإسلامي ومع سكن المسلمين في الحواضر والانتقال من الحياة القديمة إلى حياة الحواضر والقصور فإنّ بعض الشعراء استبدلوا وصف الرياض والطبيعة بوصف الديار والوقوف عليها.[١]
قصائد في شعر مدح الرجال
بعد الوقوف مع شعر المديح ولمحة عنه ونبذة من تاريخ شعر مدح الرجال منذ العصر الجاهلي وإلى العصر الحاضر، وكذلك بعد الوقوف مع جسم قصيدة المديح صار لا بدّ من ذكر بعض القصائد التي فيها شعر في مديح الرجال، وفي هذه الفقرة سيُذكر طرف من قصيدة كعب بن زهير -رضي الله عنه- في مدح سيّد الرجال على الإطلاق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،[٢] وأطراف من قصيدتين في المدح للمتنبّي، الأولى في مدح بدر بن عمار،[٣] والثانية في مدح سيف الدولة الحمداني،[٤] وبعض الأبيات كذلك في مدح سيف الدولة،[٥] وأبيات لعبيد الله بن قيس الرّقيّات في مدح مصعب بن الزّبير رضي الله عنهما:[٦]- قصيدة البردة لكعب بن زهير، أو قصيدة بانت سعاد كما تُعرف أيضًا، وممّا قاله فيها في مديح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:[٢]
-
-
-
- وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
-
-
-
-
-
- ـقُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
-
-
-
-
-
- أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
-
-
-
-
-
- أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
-
-
-
-
-
- مِنَ الرَسولِ -بِإِذنِ اللَهِ- تَنويلُ
-
-
-
-
-
- جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
-
-
-
-
-
- في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
-
-
-
-
-
- وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ
-
-
-
-
-
- بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ
-
-
-
-
-
- لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ
-
-
-
-
-
- أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ
-
-
-
-
-
- وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ
-
-
-
-
-
- مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ
-
-
-
-
-
- مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
-
-
-
-
-
- بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
-
-
-
-
-
- عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
-
-
-
-
-
- مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
-
-
-
-
-
- كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
-
-
-
-
-
- ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
-
-
-
-
-
- قَومًا وَلَيسوا مَجازيعًا إِذا نيلوا
-
-
-
-
-
- ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ
-
-
- قصيدة المتنبّي في مدح بدر بن عمّار:[٣]
-
-
-
- شَكوى الَّتي وَجَدَت هَواكَ دَخيلا
-
-
-
-
-
- فَمَها إِلَيكِ كَطالِبٍ تَقبيلا
-
-
-
-
-
- يَومَ الفِراقِ صَبابَةً وَغَليلا
-
-
-
-
-
- بَدرُ بنُ عَمّارِ بنِ إِسماعيلا
-
-
-
-
-
- وَالتارِكُ المَلِكَ العَزيزَ ذَليلا
-
-
-
-
-
- جَعَلَ الحُسامَ بِما أَرادَ كَفيلا
-
-
-
-
-
- أَعطى بِمَنطِقِهِ القُلوبَ عُقولا
-
-
-
-
-
- وَلَقَد يَكونُ بِهِ الزَمانُ بَخيلا
-
-
-
-
-
- هِندِيُّهُ في كَفِّهِ مَسلولا
-
-
-
-
-
- لَو كُنَّ سَيلًا ما وَجَدنَ مَسيلا
-
-
-
-
-
- يُبدينَ مِن عِشقِ الرِقابِ نُحولا
-
-
-
-
-
- لِمَنِ اِدَّخَرتَ الصارِمَ المَصقولا
-
-
-
-
-
- نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا
-
-
-
-
-
- وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا
-
-
-
-
-
- في غيلِهِ مِن لِبدَتَيهِ غيلا
-
-
-
-
-
- تَحتَ الدُجى نارَ الفَريقِ حُلولا
-
-
- قصيدة المتنبي في مدح سيف الدولة المعروفة بقصيدة على قدر أهل العزم:[٤]
-
-
-
- وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
-
-
-
-
-
- وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
-
-
-
-
-
- وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
-
-
-
-
-
- وَذَلِكَ مالا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ
-
-
-
-
-
- نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ
-
-
-
-
-
- وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ
-
-
-
-
-
- وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
-
-
-
-
-
- فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
-
-
-
-
-
- وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ
-
-
-
-
-
- وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ
-
-
-
-
-
- عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ
-
-
-
-
-
- وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ
-
-
-
-
-
- مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ
-
-
-
-
-
- وَذا الطَعنُ آساسٌ لَها وَدَعائِمُ
-
-
-
-
-
- فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
-
-
-
-
-
- سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ
-
-
-
-
-
- ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ
-
-
-
-
-
- وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ
-
-
-
-
-
- فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلّا التَراجِمُ
-
-
- أبيات للمتنبّي في مدح سيف الدولة:[٥]
-
-
-
- وعش برغم الأعادي عيشةً رغدا
-
-
-
-
-
- من المكارِمِ حتى ألقت العمدا
-
-
-
-
-
- كما يَخِرُّ لوجهِ اللَه مَن سجَدا
-
-
- أبيات لعُبيد الله بن قيس الرقيّات في مدح مصعب بن الزبير رضي الله عنهما:[٦]
-
-
-
- تَجلَّتْ عن وجهِهِ الظَّلماءُ
-
-
-
-
-
- جبروتٌ منه ولا كبرياءُ
-
-
-
-
-
- أَفلَحَ من كان همُّهُ الاتّقاءُ
-
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق