
الوصف في الشعر العربي
الوصف هو غرض من أغراض الشعر العربي المعروفة عبر العصور، وقد اشتهر هذا الغرض في القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي، هذا العصر الذي أبدع فيه الشعراء الجاهليون في تصوير مظاهر الأماكن المهجورة والمدن والأطلال في مقدمات القصائد الجاهلية، كما أنَّهم صوَّروا مسير القوافل في الصحراء ورصدوا تفاصيل دقيقة للغاية، ويرتبط الوصف بالغزل ارتباطًا وثيقًا أيضًا، فمن الغزل ما يدفع شاعرَه إلى وصف مفاتن المحبوبة الجسدية وتصويرها تصويرًا دقيقًا، وهذا باب من أبواب الوصف في الشعر العربي أبدع فيها شعراء الغزل الصريح، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على الشاعر البحتري وعلى أجمل قصائد البحتري في الوصف.[١]البحتري
قبل الحديث عن أجمل قصائد البحتري في الوصف، لا بدَّ من المرور على حياة البحتري الشاعر الذي وُلد عام 205 هجري وهو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، وهو واحد من أبرز شعراء العصر العباسي، شعره سلاسل من ذهب وهو واحد من الشعراء الثلاثة الأشهر في العصر العباسي مع أبي الطيب المتنبي وأبي تمام حبيب بن أوس الطائي، وقد قيل لأبي العلاء المعرِّي ذات مرَّة: "أيُّ الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنَّما الشاعر البحتري"، وولد البحتري في حلب في مدينة منبج الواقعة في شمال شرق مدينة حلب في سوريا، وقد برزت موهبته وهو في سن مبكرة، وقد التقى بأبي تمام في حمص وهناك أرشده ووجهه إلى الطريق السليم في الشعر، ولمَّا لمع نجم البحتري الشاعر أصبح البحتري شاعر البلاط عند عدد من الخلفاء، أبرزهم: المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز بن المتوكل.[٢]برع البحتري في المديح وكان مُكثرًا فيه، كما كان مُقلًّا في الرثاء والهجاء، له ديوان ضخم، فيه قصائد شعرية في الفخر والعتاب والاعتذار والحكمة والوصف والغزل وغير ذلك من أغراض الشعر العربي، وقد عاش البحتري سبعًا وسبعين سنة، قبل أن توافيه المنية عام 284 هجرية وهو ما يوافق عام 897م، ودُفن في مدينة الباب في حلب، وفيما يأتي أجمل قصائد البحتري في الوصف.[٢]
أجمل قصائد البحتري في الوصف
بعد الحديث عن حياة البحتري، لا بدَّ من تسليط الضوء على أجمل قصائد البحتري في الوصف، البحتري الشاعر الذي ضُرب به المثل في الفحولة والشاعرية في العصر العباسي أنّه كان كثير الوصف، حتَّى أنَّ هذا الغرض الشعري ارتبط باسمه ارتباطًا وثيقًا، وفيما يأتي أجمل قصائد البحتري في الوصف:- يقول الشاعر البحتري في الوصف:[٣]
-
-
-
- جبالُ شَرَوْرَى جِئْنَ في البَحرِعُوَّمَا
-
-
-
-
-
- رَأى شِيمَةً مِنْ جَارِهِ، فَتَعَلَّما
-
-
-
-
-
- منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا
-
-
-
-
-
- أوائِلَ وَرْدٍ كُنّ بالأمْسِ نُوَّمَا
-
-
-
-
-
- يَنِثُّ حَديثًا كانَ قَبلُ مُكَتَّمَا
-
-
-
-
-
- عَلَيْهِ، كَمَا نَشَّرْتَ وَشْياً مُنَمْنَما
-
-
-
-
-
- وَكَانَ قَذًى لِلْعَينِ، إذْ كانَ مُحْرِما
-
-
-
-
-
- يَجيءُ بأنْفَاسِ الأحِبّةِ، نُعَّمَا
-
-
-
-
-
- وَمَا يَمْنَعُ الأوْتَارَ أنْ تَتَرَنّما
-
-
-
-
-
- وَرَاحُوا بُدورًا يَستَحِثّونَ أنْجُمَا
-
-
-
-
-
- فَما اسطَعنَ أنْ يُحدِثنَ فيكَ تَكَرُّمَا
-
-
- ويقول البحتري أيضًا:[٤]
-
-
-
- عَلى عَاشِقٍ نَزْرِ المَنَامِ قَليلِهِ
-
-
-
-
-
- لهُ أَدْمُعٌ لا تَرْعَوِي لِعَذُوِلِهِ
-
-
-
-
-
- فَيُقلِعَ، أو يُشفَى جَوًى من غَليلِهِ
-
-
-
-
-
- بِنَا البُعْدَ من حَزْنِ الفَلاَ وَسُهُولِهِ
-
-
-
-
-
- سُجُوفُ الدّجَى عَن مائِهِ وَنَخِيلِهِ
-
-
-
-
-
- يُذَكّرهَا أحْبَابَنَا بِهَدِيلِهِ
-
-
-
-
-
- وَسَرّتْ خَليلًا أوْبَةٌ مِنْ خَليلِهِ
-
-
-
-
-
- غدا العَيشُ غَضًّا بعدَ طولِ ذُبُولِهِ
-
-
-
-
-
- بحَقٍّ، وأهْدَاهُمْ لِقَصْدِ سَبِيلِهِ
-
-
-
-
-
- ـرَضِيُّ لَدَيْهِ، وابنُ عَمّ رَسُولِهِ
-
-
-
-
-
- إلَى ظَاهِرِ المَعْرُوفِ فيهِمْ، جَزِيلهِ
-
-
-
-
-
- عَلَيْهَا، وتُكْسَى نَبْتَهَا بِنُزُولِهِ
-
-
-
-
-
- نَقَا الرّملِ، مِنْ فُرْسَانِهِ وَخُيُولِهِ
-
-
-
-
-
- تَبَلَّجَ فيهِ البَدْرُ بَعدَ أُفُولِهِ
-
-
-
-
-
- لإقْبَالِهِ، واستَشْرَفَتْ لِعُدُولِهِ
-
-
-
-
-
- إلى عَرْضِ صَحنِ الجَعفَرِيّ وَطُولِهِ
-
-
-
-
-
- لِقَاؤهُمُ أقْصَى مُنَاهُ، وَسُولِهِ
-
-
-
-
-
- وَبَرْدُ ضُحَاهُ، وَاعتِدَالُ أصِيلِهِ
-
-
-
-
-
- وَفي كلّ نَفسٍ حاجةٌ من قُفُولِهِ
-
-
-
-
-
- إلَيها، انكِفَاءَ اللّيثِ تِلقَاءَ غِيلِهِ
-
-
-
-
-
- وَرُحّلَ عَنْهَا أُنْسُهَا برَحِيلِهِ
-
-
-
-
-
- كإفرَاطِهَا في الحُسنِ، عندَ دُخُولِهِ
-
-
-
-
-
- قُدُومُ أبٍ عَالي المَحَلّ، جَليلِهِ
-
-
-
-
-
- فهَلْ مُخبِرٌ عَن مِثلِهِ، أوْ عَدِيلِهِ
-
-
-
-
-
- وفي الفَضْلِ مِنْ أمثالِهِ وشُكُولِه
-
-
- ويقول الشاعر البحتري في الوصف أيضًا:[٥]
-
-
-
- أمِ الصّبْحُ يَجلُو غُرّةً من صَديعِهِ
-
-
-
-
-
- بُكَاءٌ عَلى أطْلاَلِهِ، وَرُبُوعِهِ
-
-
-
-
-
- أحَقَّ بجَفْنَيْ عَيْنِهِ مِنْ هُجُوعِهِ
-
-
-
-
-
- على وَجْدِهِ، أوْ زَائِدٌ في وَلُوعِهِ
-
-
-
-
-
- صَبَابَةُ قَلْبٍ مُؤيِسٍ مِنْ نُزُوعِهِ
-
-
-
-
-
- وَكَيْفَ لبَاغي حَاجَةٍ بشَفيعِهِ
-
-
-
-
-
- مُحَدّثُهُ، أوْ ضَاقَ صَدرُ مُذيعِهِ
-
-
-
-
-
- بحَثّ اللّيَالي، قَبْلَ أتْيِ سَرِيعِهِ
-
-
-
-
-
- وَلَمّا أُشَارِكْ عاجِزًِا في هُلُوعِهِ
-
-
-
-
-
- مَطِيّتُهُ مَشْدُودَةٌ بِنُسُوعِهِ
-
-
-
-
-
- قَنَاعَتُهُ، مُنْحَازَةً عَنْ قُنُوعِهِ
-
-
-
-
-
- فَلا تَحْسُدِ الصَّفّارَ سُوءَ صَنيعهِ
-
-
-
-
-
- إلى نَفْسِهِ، شَرَّ النّفُوسِ، وَجُوعِهِ
-
-
-
-
-
- وَقَد كانَ يكفي بَعضُهُ من جَمِيعِهِ
-
-
-
-
-
- زِيَادَةُ عالي القَدْرِ عَنْهُ، رَفيعِهِ
-
-
-
-
-
- لأسفَلِ سِفْلٍ، وانفِضَاضُ جموعِهِ
-
-
-
-
-
- شَعَاعٌ، وإلاّ رَوْعُهُ شُغْلُ رُوعِهِ
-
-
-
-
-
- لِبَاكٍ عَلَيْهِ مَوْضِعٌ لدُمُوعِه
-
-
-
-
-
- وَلاَ يُطْفِىءُ الأوْغَامَ لُؤمُ نَجِيعِهِ
-
-
-
-
-
- هَوَتْ أُمّ عاصِيهِ بسَيْفِ مُطيعِهِ
-
-
-
-
-
- ببَدْرٍ، منَ الغَرْبِ ارْتِقَابُ طُلُوعِهِ
-
-
-
-
-
- وَلاَ يَخْفَ كافي شأنِهَا من مُضِيعِهِ
-
-
-
-
-
- زَعِيمٌ بأنّ قَيْظَهُ مِنْ رَبِيعِهِ
-
-
-
-
-
- عَلَيْكَ، يُلاقُونَ الرّدى في شُرُوعِهِ
-
-
-
-
-
- شَنَاةٌ، خَباها كاشحٌ في ضُلُوعِهِ
-
-
-
-
-
- تَوَقُّعُ هَذا الأمْرِ، قَبْلَ وُقُوعِهِ
-
-
-
-
-
- على ناشرِ الإحْسانِ فيهِمْ، مُشيعِهِ
-
-
-
-
-
- وَرَشّحَ عُودُ المُلْكِ أزْكَى فُرُوعِهِ
-
-
-
-
-
- وأنْ يَستَقيمَ المُشتَري مِنْ رُجُوعِهِ
-
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق