الحج والعمرة
الحجُّ والعمرة من
العبادات التي يؤدّيها المسلمون تقربًا لله تعالى، فالحج هو الركن الخامس من
أركان الإسلام،
وهو فريضة على من استطاع إليه سبيلًا، وقد حدّد الله وقته في أيام ذي
الحجة، حيث يؤدي فيه الحجاج شعائر يُطلق عليها اسم مناسك الحج، من بينها
الطواف بالكعبة، أمّا العمرة فهي سُنّة مؤكدة يجوزُ أن تُؤدّى مرة واحدة أو
أكثر، لكنّها غير محددة بزمان، وهي زيارة إلى بيت الله الحرام يستهلّها
المعتمر بالإحرام والتلبية، ثمّ يطوف حول الكعبة، ويقول الله تعالى في محكم
التنزيل: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)
[١]، وفي هذا المقال سيتمّ ذكر دعاء الطواف حول الكعبة.
الكعبة
الكعبة هي بيت الله الحرام الذي
بناه إبراهيم
-عليه السلام-، وهي بناءٌ من حجارة سوداء، بُنيت بأمرٍ من الله تعالى في
وادٍ غير ذي زرع، ولم يكن فيه لا ماءٌ ولا بساتين ولا غير ذلك، كما لم يكن
عنده من يحميه من بطش الأعداء، ورغم ذلك جعل الله تعالى أفئدة الناس تأوي
إلى هذا الوادي، وأقام للكعبة التي بُنيت فيه عزًّا وشرفًا ومَهابةً وعظمةً
في قلوب الناس، ممّا دفع جموع الحجيج للتدفق نحوها، وقد وصف الله تعالى
بيته الحرام بوصوفٍ عدة مثل: البيت العتيق
ومكة
ومبارك وهدى والكعبة، وأساس وجود الكعبة أو البيت الحرام هو توحيد الله
تعالى والنهي عن الإشراك فيه، وقد اختار الله تعالى مكان بناء الكعبة وزمان
بنائها كما اختار بانيها، وبهذا
أصبحت الكعبة
قوامًا لدين الناس وحياتهم ومعيشتهم ومصالحهم وأمنهم، وأصبحت قبلة
المسلمين في الصلاة، يولّون وجوههم إليها أينما كانوا، وجعل فيها العبادات
والمناسك والطاعات التي لا توجد إلّا في الكعبة، فهي حرم الله وبيته،
ويجوارها يأمن الإنسان والطير والصيد، وفيها يشبع ابن السبيل والفقير
والمسكين بسبب ما يُذبح فيها من فدية وهدي، وبسبب أعمال الخير والصدقات،
وفيها يُعبد الله تعالى بالعبادات العظيمة
من حجٍ
وعمرة وتوحيد وذكر وطواف، كما أن الكعبة تحمي قوام حياة الناس من العبادة
والأمنٍ والرزق وتهيئ لها الأسباب، ويقول الله تعالى في محكم التنزيل:
"جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ"
سورة المائدة: آية 97.
[٢].
كيفية العمرة
تكون العمرة
بعدة خطوات تشملُ الأركانَ والواجباتِ والأعمال المستحبّة، وأهمها ثلاثة
أركان لا تصحّ العمرة إلا فيها وهي بالترتيب: الإحرام والطواف والسعي، أما
واجبات العمرة فهي: إحرام المعتمر من الميقات في حال كان مكان الميقات ما
بين المعتمر وبين مكة، أو من الحلّ (التنعيم مثلًا) لمَن في الحرم، ومن
الواجبات أيضًا التجرّد من المخيط (بالنسبة للرجل)، وحلق الشعر أو تقصيره،
ومن ترك شيئًا من هذه الواجبات وجب عليه ذبح فدية،
[٣]، أما كيفية العمرة بالتفصيل فهي كما يأتي:
[٤]
- الإحرام للعمرة: ويكون أولًا بالاغتسال كما في الاغتسال
من الجنابة، ثمّ التطيّب بالعطر من دهن عود أو غيره، ويكون التطيّب في
اللحية والرأس، ولا ضرر من بقاء الطيب بعد الإحرام، وقد ورد في الصحيحين
حديث عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن
يحرم تَطَيَّب بأطيبِ ما يجدُ ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد
ذلك". رواه مسلم، كتاب الحج رقم (1218)، والاغتسال عند الإحرام سنة للرجال
والنساء بما فيهنّ الحائض والنفساء، أما التطيّب فيكون للرجل فقط.
- لبس ثياب الإحرام بعد الاغتسال والتطيّب: وتُصلى الفريضة إن كان وقت صلاة فريضة، وإن لم يكن تُصلى ركعتين وتكون نيتهما سنة الوضوء،
وبعد الانتهاء من الصلاة يكون الإحرام وقول: "لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك،
لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، حيث يلبي
الرجل بصوتٍ مرتفع، وتلبي المرأة بصوت يسمعه مَن كانَ إلى جنبها، ومن أراد
الإحرام وخاف من شيءٍ يمنعه عن إتمام المناسك مثل: التأخر أو المرض أو غير
ذلك، فيجب الاشتراط عن الإحرام بقوله: "إن حبسني حابس فمحلّي حيثُ حبستني"،
ومن لا يخاف من شيءٍ يمنعه فلا ينبغي له الاشتراط.
- الإكثار من التلبية: إذ ينبغي للمحرم الإكثار من
التلبية في مختلف الظروف والأحوال، كأن يلبي مرة بصوتٍ مرتفع ومرة بصوتٍ
منخفض، ويسأل الله بعد التلبية أن يدخله الجنة ويرضى عنه، ويستعيذ به من
النار، والتلبية مشروعة من الإحرام حتّى بدء الطواف.
- دخول المسجد الحرام بالقدم اليمنى وقول:
"بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي
أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان
الرجيم".
- التقدم باتجاه الحجر الأسود للبدء بالطواف: حيث
يستلم المعتمر الحجر الأسود بيده اليمنى ويقبّله، وإن لم يستطع تقبيله
يُقبل يده التي استلمه بها، وإن لم يستطع استلامه بيده فإنه يستقبله ويُشير
إليه بيده ولا يقبلها، والأفضل تجنّب المزاحمة للوصول إلى الحجر الأسود،
وعند استلام الحجر يقول: "بسم الله والله أكبر، اللهمّ إيمانًا بك وتصديقًا
بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-"، ثمّ
يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره، فإذا بلغ الركن اليماني استلمَه من
غير تقبيل، فإن لم يتيسّر فلا يزاحم عليه ويقول بينه وبين الحجر الأسود:
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [٥].
- إتمام سبعة أشواط من الطواف حول الكعبة، وقد ذُكرت كيفية الطواف بالتفصيل في فقرة كيفية الطواف.
- التقدم نحو مقام إبراهيم وقراءة: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) [٦]،
والصلاة ركعتين خلف المقام، حيث يُقرأ في الأولى الفاتحة والكافرون، وفي
الثانية الفاتحة والإخلاص، وبعد الانتهاء من الصلاة، يعود للحجر الأسود
ويستلمه إن أمكن ذلك.
- الخروج للمسعى: وعند الدنُوّ من الصفا قراءة:
(إِنَّ الصَّفَا و َالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه) سورة البقرة: آية
158، ثم الارتقاء على الصفا لرؤية الكعبة واستقبالها ورفع اليدين للدعاء،
وبعدها النزول من الصفا للمروة مشيًا، وعند العلم الأخضر يجب الركض بقدر
الاستطاعة، وعند بلوغ العلم الثاني تكون العودة للمشي بشكلٍ عادي حتى
الوصول للمروة والارتقاء عليها واستقبال القبلة ورفع اليدين بالدعاء وقول الدعاء نفسه
الذي قيلَ عند الصفا، ثمّ النزول من المروة للصفا والمشي بالموضع نفسه
الذي كان المشيُ فيه، والسعي كذلك بالموضع نفسه الذي كان السعي فيه،
وتُكرّر الخطوات كما في أول شوط حتى اكتمال سبعة أشواط.
- حلق الرأس بالنسبة للرجل: وتقصير الشعر بالنسبة للمرأة من كل قدرٍ أنملة، وهكذا يكون التحلّل الكامل من الإحرام.
الطواف حول الكعبة
الطواف حول الكعبة صلاة، وهو
صلاة
على شكل دورات حول الكعبة، ولهذا ينبغي أن يُؤدى الطواف بخشوعٍ تام وأدب
وحضور كامل للقلب ورفق بمَن يطوفون بالكعبة أيضًا، كما يجب استشعار مراقبة
الله تعالى، وإخلاء القلب من كلّ شيء إلا منه، والإكثار من الدعاء وذكر
الله، خصوصًا أن
الملائكة تطوف فوق من يطوف في الكعبة،
[٧]،
وللطواف شروط لا يصحّ الطواف إلا بها وهي: الإسلام والعقل والنية وستر
العورة وطهارة البدن والثوب من النجاسة وطهارة الحدث والطواف سبعة أشواط
كاملة، وأن يجعل البيت عن يساره، وأن يكون الطواف بجميع البيت، وأن يطوف من
له القدرة على المشي ماشيًا والموالاة بين الأشواط، وأن يكون الطواف
بالبيت أيْ داخل المسجد الحرام، وأن يبدأ الطواف من الحجر الأسود، أما
واجبات الطواف فهي: صلاة ركعتين بعد الطواف.
[٨]
دعاء الطواف حول الكعبة
لا يوجد للطواف حول الكعبة دعاء أو ذكر خاص، ولم يثبت في السنة النبوية
سوى الدعاء بين الركنين اليمانيين، وهذا الدعاء هو: عن عبدالله بن السائب
-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول بين
الركن اليماني والحجر: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
[٥]، وعلى العبد أن يُكثر من الابتهال والدعاء دون التقيد بدعاء معين أو ذكر خاص،
[٩]،
ومن الأدعية المأثورة التي يُمكن أن تُقال عن استلام الحجر الأسود والبدء
بالطواف: "بِسمِ اللَّهِ، واللَّهُ أكْبَرُ، اللّهم إيمَانًا بِكَ
وَتَصدِيقًا بِكِتابِك، ووفاءً بِعَهدك وَاتباعًا لِسُنة نَبِيك -صلى اللّه
عليه وسلم-"، ويُستحب تكرار هذا الدعاء عند استلام الحجر الأسود في كل
شوطٍ من أشواط الطواف، أما في رمل الأشواط الثلاثة الأولى يُقال هذا
الدعاء: "اللّهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وسعيًا مشكورًا"،
ويُقال في الأشواط الأربعة الباقية هذا الدعاء: "اللَّهُمَّ اغْفر وارحم،
وَاعْفُ عَمَّا تَعلم وَأنْت الأعزُّ الأكْرم، اللّهم رَبَّنا آتنا في
الدُّنْيا حسَنةً وفي الآخِرة حَسَنة وَقِنا عَذَابَ النَّارِ"، وقد ورد
عن الشافعي قوله أنَّ أحب دعاءٍ في الطواف هو دعاء: "اللّهم رَبَّنا
آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً" وأن يُقال هذا الدعاء في جميع الطواف،
والأفضل أن يدعو واحدُ وأن تُؤمّن الجماعة على دعائه، وَبِحسب مذهب
الشافعيّ فإنه يُستحبُّ قراءة القرآن الكريم في الطواف؛ لأن الطوافَ موضعُ
ذكر، وبعد الانتهاء من الطواف يُستحب صلاة ركعتي الطواف والدعاء بالأدعية
المرغوبة، ومنها دعاء: "اللّهم أنا عبدك وابن عبدك أتيتك بذنوبٍ كثيرة
وأعمالٍ سيئة، وهذا مقام العائذ بك من النار، فاغفر لي إنك أنت الغفور
الرحيم".
[١٠]
كيفية الطواف حول الكعبة
الطواف حول الكعبة سبعة أشواط، إذ إنّ المحرمَ الذي يصل ليبدأ الطواف
حول الكعبة يكون مُضْطَبِعًا، أي كاشفًا للكتف الأيمن وواضعًا طرفَيْ ردائه
على الكتف الأيسر، وذلك بالنسبة للرجال، أما كيفية الطواف فتكون كما يأتي:
[١١]
- بَدْء الطواف بمحاذاة الحجر الأسود،
واستقباله بالطريقة التي شُرح فيها كيفية العمرة، والتكبير: "الله أكبر"،
وقول: "بسم الله، الله أكبر" عند استلام الركن اليماني، وفعل ما تقدّم في
كل شوطٍ من أشواط الطواف حول الكعبة السبعة.
- البدء بالطواف بأن تكون الكعبة على يسار من يطوف في السبعة أشواط،
بحيث يبدأ كل شوط باستلام الحجر الأسود وينتهي عنده، وسنة النبي أن
الاضطباع يكون في الأشواط جميعها، والترميل في الأشواط الثلاثة الأولى،
والترميل يعني المشي بخطوات متقاربة وسريعة، أمّا المشي فيكون في الأشواط
الأربعة الباقية، وإن تعذّر الترميل بسبب الزحام فيكون الطواف بحسب ما
تيسر، وعند الوصول إلى الركن اليماني أثناء الطواف، يستلمه بيده فقط دون
تكبير، ويكون استلامه في كل شوطٍ من أشواط الطواف ولا يُقبله، وإن تعذر
استلامه يستمر في المشي دون أن يُشير إليه، ويُقال ما بين الركنين
اليمانيين: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [٥]، علمًا أن الرمل والاضطباع للرجال فقط، كما يكونان في طواف القدوم فقط، وهما سنّة ويصحُّ الطواف بتركِهما.
- الطواف حولَ الكعبة يكونُ خارجَ حجر إسماعيل، أمّا الطواف داخله فلا
يصح، ومن يشكُّ بعدد أشواط طوافه يبني على الأقلّ ويُكمل، وإذا قامت الصلاة
مثلًا أثناء الطواف يُمكن لمَن يطوف أن يصلي ثمّ يكمل طوافه.
- الصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم عند الانتهاء من الأشواط السبعة، ووضّحت كيفية الصلاة في فقرة كيفية العمرة.
فضل الطواف
يُعدّ الطواف
من العباداتِ العظيمة، وأحدِ شعائر الإسلام الطاهرة الموجودة منذ بناء
الكعبة، وقد ورد في الأحاديث النبويّة الشريفة ذكر فضل الطواف، والآثار
المترتبة عليه، ومن فضل الطواف حول الكعبة ما يأتي: محو الخطايا والذنوب
بمجرد استلام الحجر الأسود وبدء الطواف، كما أنّ الطواف لمدة أسبوع يُعادل
تحرير رقبة، وفي كل رفعة رجلٍ في الطواف يحطّ الله عن العبد خطيئة ويكتب له
حسنة.
[١٢]،
وقد ورد في الحديث السريف عن فضل الطواف قول رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: "من طاف بهذا البيت أسبوعًا فأحصاه كان كعتقِ رقبة" صحيح الترمذي،
وقال: "لا يضع قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتبت له بها
حسنة" صحيح الترمذي.
[١٣]
المراجع[+]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق