الدعاء
الدعاء عبادة من العبادات التي وضعها الله -سبحانه وتعالى- لعباده المسلمين سبيلًا من سُبل الطاعة والتَّقرُّب منه، وهو فرصة لتجسيد العبودية في أسمى هيئة لها، فهو طلب العبد من ربِّه بالتذلل والخضوع، وهذا هو مخُّ العبادة، وقد وعد الله تعالى عباده الدعاة بالاستجابة لدعائهم، قال تعالى في سورة غافر: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...}،[١]وقد حثَّ الإسلام على ضرورة الدعاء في كثير من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة، فهو عبادة يمكن للعبد القيام بها في أي موقع وأي حالة، لذلك يدخل الدعاء في الصلاة والصيام والحج والزكاة وسائر العبادات، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على أدعية مناسك الحج في الإسلام.ما هو الحج
قبل الحديث عن أدعية مناسك الحج بالتفصيل، يُعرَّف الحج في الإسلام بأنَّه ركن من أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها الدين الإسلامي الحنيف؛ فقد روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ"،[٢]وهو عبادة من العبادات العظيمة التي فرضها الله على المسلمين، وهي واجبة عل كلِّ مسلم قادر مرة واحدة في العمر، قال تعالى في سورة آل عمران: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}،[٣]والحج هو أن يسافر المسلم من دياره التي يعيش بها إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج كاملة كما وضَّحها أهل العلم، وتبدأ مناسك الحج في كلِّ سنة في الثامن من شهر ذي حجة، وقد فُرض الحج على المسلمين في السنة التاسعة للهجرة، روى أبو هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال عندما فُرض الحج على الناس: "أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا.."،[٤]والله أعلم.[٥]مناسك الحج
تمهيدًا للتفصيل في أدعية مناسك الحج، من الحسن أن يتمَّ ذكر مناسك الحج في الإسلام، وأولى مناسك الحج هو الإحرام، حيث يحرم الحاج من ميقات بلده، ثمَّ إذا صلَّى ركعتين فقد أتم سنَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ثمَ يحرم ويبدأ بالتلبية، والتلبية تكون بقول: لبيك اللهم حجًا أو ما شابهه، ثمَّ يسافر الحاج إلى مكة المكرمة، ثمَّ متَى وصل مكة فعليه أن يطوف بالبيت الحرام سبعة أشواط ثمَّ يسعى بين الصفا والمروة مبتدئًا السعي من جبل الصفا ومنتهيًا في المروة، ثمَّ يقصر من شعره ويتوجَّه الحاج إلى منى، فيبيت في منى ليلته، حتَّى غذا طلع عليه فجر التاسع من ذي الحجة، أي فجر يوم عرفة، يقف في عرفة بعد زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة حتَّى غياب شمس هذا اليوم.[٦]ثمَّ يفد الحاج إلى مزدلفة ويبيت فيها ليلته إن شاء، وإن شاء توجَّه بعد منتصف الليل إلى منى ورمى الجمرة قبل طلوع الفجر وإنْ شاء أخر هذا وبقي في مزدلفة، ثمَّ خرج إلى منى قبل طلوع الشمس، ثمَّ يطوف الحاج بالبيت ويسعى، ثمَّ يبيت في منى ليالي التشريق الثلاث فيرمي الجمرات الثلاث، كلُّ جمرة سبع حصيات كما وضَّح اهل العلم، ثمَّ بعض انقضاء هذه الأيام الثلاث في مزدلفة، يطوف الحاج طواف الوداع، ويرجع إلى بلده، والله أعلم.[٦]
أدعية مناسك الحج
لقد شرع الله تعالى في مناسك الحج التي يؤديها الحاج تباعًا كما مرَّ سابقًا، يوجد لكلِّ منسك دعاء خاص به أو ذكر يقوله الحاج عند شروعه بأداء شعائر الحج كلٍّ شعيرة على حدة، وفيما يأتي تفصيل في أدعية مناسك الحج كما وردتْ بدءًا من الإحرام:دعاء الإحرام
الإحرام هو أوَّل أعمال الحج في الإسلام، وهو أن يدخل الحاج في النسك ويحرم من الميقات الخاص ببلده، أمَّا دعاء الإحرام فعلى الحاج الذي دخل النسك أن يقوم بالتلبية قائلًا: "لبيك اللهم حجة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، ولأنَّ المحرم خارج من بيته ودياره ووطنه ومسافر إلى بلاد الحرمين، فعليه أن يلتزم بدعاء السفر؛ كأن يقول: "الحمد لله الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنَّا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، اللهمَّ إنِّي ظلمت نفسي فاغفر لي، إنَّه لا يغفر الذُّنوب إلا أنتَ، اللهمَّ إنَّا نسألك في سفرنا هذا البرَّ والتَّقوى ومن العمل ما ترضى، اللهمَّ هوِّنْ علينا سفرنا هذا واطْوِ عنا بعده، اللهمَّ أنت الصَّاحب في السَّفر، والخليفة في الأهل، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من وعثاءِ السَّفر، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل".[٧]دعاء الطواف
إذا وصل الحاج إلى مكة المكرمة، فعليه أن يطوف بالبيت طواف القدوم، وقد شُرِّع في الإسلام الدعاء أثناء الطواف، فعلى الحاج الطائف أن يدعو بما تيسر له من الأدعية والأذكار الطيبة أثناء طوافه، والدعاء الوارد هو أن يقول: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"، وأن يقول هذا الدعاء بين الركن اليماني والركن الأسود، والله أعلم.[٨]دعاء السعي بين الصفا والمروة
السَّعي بين الصفا والمروة من الأعمال والشعائر التي يجب على الحاج أن يؤديها حتَّى تتمَّ حجته، وقد جاء في حديث صحَّحه الإمام مسلم عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يبيِّن الدعاء الذي كان يدعو به رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- عند السَّعي بين الصَّفا والمروة، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال عن رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام: "...ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إلى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ}،[٩]أَبْدَأُ بما بَدَأَ اللَّهُ به فَبَدَأَ بالصَّفَا، فَرَقِيَ عليه، حتَّى رَأَى البَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بيْنَ ذلكَ، قالَ: مِثْلَ هذا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلى المَرْوَةِ، حتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى، حتَّى أَتَى المَرْوَةَ، فَفَعَلَ علَى المَرْوَةِ كما فَعَلَ علَى الصَّفَا.."،[١٠]والله أعلم.[١١]دعاء يوم عرفة
إنَّ يوم عرفة من أفضل أيام السَّنَة، والدعاء في عرفة من أعظم الأعمال وهو خير الدعاء على الاطلاق، روى جد عمرو بن شعيب -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أَنا والنَّبيُّونَ من قبلي: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ"،[١٢]والله تعالى أعلم.[١٣]الدعاء عند المشعر الحرام في مزدلفة
وردَ عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيما روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- ما يأتي: "...ثمَّ ركِب القصواءَ حتَّى أتى المشعَرَ الحرامَ؛ فاستقبَل القِبلةَ فدعاه وكبَّره وهلَّله ووحَّده فلم يزَلْ واقفًا حتَّى أسفَر جدًّا"،[١٤]أي إنَّ من السُّنَّة أن يدعو الحاج ربَّه بما شاء في مزدلفة، ويكبر الله ويهلله ويوحده، وهذا ما فعله رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- والله أعلم.[١٥]الدعاء أيام التشريق
وردَ أيضًا الدعاء أيام التشريق في الحج، فعلى الحاج أن يدعو في هذه الأيام بما شاء من الدعاء، فقد جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه كان يقف بعد رمي الجمار ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو دعاءً طويلًا، فعلى المسلم أن يقتدي برسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- في عمله، والله تعالى أعلم.[١٥]أهمية عبادة الحج في الإسلام
بعد التفصيل في أدعية مناسك الحج، إن للحج فضلًا عظيمًا في الإسلام، فهو عبادة من العبادات العظيمة التي جعلها الله تعالى لعباده المسلمين، فهو مغفرة للذنوب، وجلاء للقلوب من كلِّ دنس، وهو طهارة للروح، فيه من البذل والعطاء في سبيل الله ما فيه من جهد وتعب ومشقة، وقد وردَ فضل الحج في السنة النبوية في غير موضع واحد، على الشكل الآتي:[١٦]- روى أبو هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "أفضلُ الأعمالِ عندَ اللَّهِ: إيمانٌ لا شَكَّ فيهِ، وغَزوٌ لا غُلولَ فيهِ، وحجٌّ مبرورٌ، قالَ أبو هُرَيْرةَ: حجٌّ مبرورٌ يُكَفِّرُ خطايا تلكَ السَّنةِ"[١٧].
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضًا إنَّ رسول الله -عليه السَّلام- قال: "العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ"[١٨].
- وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "الغازي في سبيلِ اللهِ والحاجُّ إلى بيتِ اللهِ والمعتمِرُ وفدُ اللهِ، دعاهم فأجابوه"[١٩].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق