-->

adcash790

-------popcash------- ‐-----------------

الثلاثاء، 14 أبريل 2020

حكم تقبيل اليد



حكم تقبيل اليد

تقبيلُ اليدِ بين الجَواز والمَنْع

يُعبّر بعض الناس عن احترام الكبير في القَدر أو العمر بعدّة مظاهر وأشكال وصور، ومن تِلك المظاهر ما تعارف عليه الناس من التحبُّب للكبير، وإظهار احترامهم له من خلال تقبيل يده، أو رأسه، أو كتفه، ولأنّ الإسلام لم يترك صغيرةً ولا كبيرةً إلّا وجعل لها حُكماً، فقد تطرّق الفُقهاء إلى حُكم تقبيل يد الكبير بقصد إظهار الاحترام والتّقدير له، فمع أنَّ الإسلام أجاز بل وحبّب إظهار الاحترام للكبير وتوقيره وتكريمه بشتّى المظاهر والصُّور، إلا أنّ مسألة تقبيل اليد ربّما تحتاج دراسةً وتحليلاً زائداً؛ لِما فيها من فِعل ما لم يرِد به نصٌّ شرعيّ، فهل أباح الإسلام تقبيل يد الكبير أو غيره بقصد إظهار الاحترام، أم أنّ ذلك ممّا نهى عنه الإسلام، وما هو التصوُّر الإسلاميّ لذلك الفعل؟ ذلك ما سيكون محور بحث هذه المقالة.

حُكم تقبيل اليد

كان تقبيل اليد من الأفعال التي يقوم بها الناس إظهاراً لاحترامهم لشخصٍ عظيم، أو شيخٍ جليل، أو والدٍ أو والده، وقد كان أصحاب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُقبّلون يد النبيّ ويواظبون على ذلك؛ حيث يروي أسامة بن شريك -رضي الله عنه- قال: (قُمنا إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فقبَّلنا يدَه)،[١] كما ثبت أنّه (لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الشَّامَ، اسْتَقْبَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَبَّلَ يَدَهُ، ثُمَّ خَلَوْا يَبْكِيَانِ، قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ تَمِيمٌ: تَقْبِيلُ الْيَدِ سُنَّةٌ)، أمّا حُكم تقبيل اليد شرعاً فبيانه فيما يأتي:
  • يجوز تقبيل أيدي العُلماء والوالدين والصّالحين من أهل الدِّين والعِلم والفَضْل، بل إنَّ ذلك دليلٌ على صدق محبّة الناس لهم وبرِّهم بهم، وقيمتهم في المجتمع عند أبنائهم وأقوامهم، وفيه تعظيمٌ للعلم وأهله،[٢] ويُشترط لجواز تقبيل اليد في هذه الحالة أمران يجب توفُّرهما حتّى لا يخرج الجواز إلى الحُرمة أو الكَراهة، وهما:[٣]
    • ألّا يكون في تقبيل أيدي العلماء والصّالحين مُغالاةٌ وزيادةٌ في التّبجيل؛ لِما في ذلك من التّغاضي عن أخطائهم وزلّاتهم وهَفَواتهم، ولما فيه من البُعد عن الطّريق القويم، ممّا يؤدّي إلى قلب الغاية التي جاء لأجلها تقبيل أيديهم، ليصبح ناتجه عكسيّاً باستِبداد العلماء على العوامّ إن كانوا غير أهلٍ لذلك.
    • ألّا يُزاد في تقبيل أيدي العلماء والصّالحين والدُّعاة عمّا أجازه الشّرع وسمح به من احترام العُلماء وإِجلالهم، حتّى يصل الناس إلى درجة تقديسهم في أمور أخرى، مثل: الرُّكوع لهم قبل تقبيل أيديهم، أو الانحناء لأجل تقبيل أيديهم، ممّا يؤدّي إلى إذلال خَلق الله وتكبُّر العلماء عليهم.
  • يُكرَه تقبيل أيدي غير هؤلاء الذين أباحت الشّريعة الإسلاميّة تقبيل أيديهم، مثل: الوُلاة، وأصحاب الجاه، والمناصب، والأغنياء، وذوي السُّلطان والجبروت، يقول الإمام النوويّ رحمه الله: (يُستحَبّ تقبيل يد الرّجل الصّالح، والزّاهد، والعالم، ونحوِهم من أهل الآخرة، وأمّا تقبيل يدهِ لغِناه ودُنياه وشوكتِه ووَجاهتِه عند أهل الدُّنيا بالدُّنيا ونحو ذلك فمكروهٌ شديد الكراهَةِ، وقال المتولّي: لا يجوز).[٢]

احترام الكبير

دعت الشّريعة الإسلاميّة إلى احترام الكبير، وإحسان مُعاملته، والاهتمام به، وتوقيره، بل أمرت بذلك من خلال الكثير من الأفعال التي ينبغي القيام به تِبياناً لذلك، وقد أشاد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بمن يحترم الكبير ويُوقّره، حيث رُوي أنّه -صلّى الله عليه وسلّم- قد قال: (ليس منّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صغيرَنا، ويوَقِّرْ كبيرَنا ويأمُرْ بالمعروفِ، وينْهَ عنِ المُنكَرِ)،[٤] أمّا كيفيّة إظهار توقير الكبير، واحترامه، وإجلاله فتظهر عن طريق القيام بالكثير من الأعمال التي أرشد إليها الإسلام ودعا لها، ومن تلك الأعمال ما يأتي:[٣]
  • تقديم الكبير في الأمور جميعها: ويكون ذلك بالابتداء به عند الهمّ بفعل شيءٍ منها؛ فقد دعا الإسلام إلى تقديم الكبير في الأعمال والأقوال والأحوال جميعها؛ فإذا كان النّاس في مجلسٍ فالذي ينبغي أن يبدأ بالكلام هو الكبير، وأن يوعِز هو ببدء الكلام وانتهائه، وكذلك الأمر عند البدء بالطّعام، أو الجلوس في المجالس العامّة أو الخاصّة، وغير ذلك، وقد اعتبر الإسلام تقديم الكبير من الأخلاق العظيمة التي يجب أن تتفعّل في المُجتمعات الإسلاميّة؛ لما تعود به من نتائج عظيمة على الأفراد والمُجتمعات، كما حثّت الشريعة الإسلاميّة على تقديم الكبير في صلاة الجماعة، وهي الأمر الذي لا يكون فيه تقديمٌ لأحدٍ على الآخر؛ لما في تقديمه من الأجر والفضل، ويدلُّ على ذلك ما رواه مسلم عن أبي مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان رسولُ اللهِ -صلّى الله عليه وسلّم- يمسح مَناكِبَنا في الصّلاةِ ويقولُ: (استَوُوا ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم، لِيَلِيني منكُم أولو الأحلامِ والنُّهى، ثمّ الذين يلوْنَهم، ثمّ الذين يلونَهم). قال أبو مسعودٍ: فأنتم اليوم أشدُّ اختلافاً)).[٥]
  • عدم الاستِخفاف بالكبير: فقد روى المنذري عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (ثلاثٌ لا يُستخَفُّ بِهِم إلَّا مُنافقٌ: ذو الشَّيْبةِ في الإسلامِ، وذو العلمِ، وإمامٌ مُقْسِطٌ)،[٦] أمّا مظاهر الاستخفاف بالكبير وصوره فتكون مثلاً في التّقليل من شأنه أو بالكلام الذي يتكلّم به، أو الاستهزاء بأفعاله وتصرُّفاته، أو عدم إعطائه أهميّةً إذا دخل مجلساً أو قام منه، وذلك بعدم الوقوف لاستقباله أو وداعه، أو التصرُّف بما يُسيء إليه بالقول، أو الفعل، أو النّظر، أو رفع الصّوت في حضرته.
  • تمثُّل خُلُق الحَياء في حضرة الكبير والتخلُّق به: يدعو الحياء إلى البُعد عن كلّ ما هو سيِّئٌ قبيح، كما يدعو إلى احترام الكبير، وتوقيره، وتكريمه في المجالس، قال النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (الإيمانُ بِضعٌ وستّونَ شُعبةً، والحَياءُ شُعبةٌ منَ الإيمانِ)؛[٧] فالحياء لا يأتي إلا بخيرٍ، وقد روى الشّيخان عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أنّه قال: (لقد كنتُ على عهدِ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- غُلاماً، فكنتُ أحفظُ عنه، فما يمنعني من القولِ إلا أنَّ ههُنا رجالاً هُم أَسَنُّ مِنِّي).[٨]
  • القيام للكبير إذا دخل المجلس: من مظاهر احترام الكبير وتوقيره أن يقوم له الذي يصغره في السنّ إذا دخل مجلساً، وأن يُجلِسه في موضعه إن لم يجد مكاناً يجلس فيه، فقد رُوِي عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما رأيتُ أحدًا أَشْبَهَ سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسولِ اللهِ في قيامِها وقعودِها من فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: وكانت إذا دَخَلَتْ على النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قام إليها فقَبَّلَها وأَجْلَسَها في مَجْلِسِهِ، وكان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا دخل عليها قامت من مَجْلِسِها فقَبَّلَتْهُ وأَجْلَسَتْهُ في مَجْلِسِها).[٩]
  • إنزال الكبير منزلةً تليق به إذا طلب، أو أمر، أو دعا أحداً: ويكون ذلك أيضاً إذا ذكره أحد أو ذُكِر عند أحد أو أمامه، فقد روى شهاب بن عباد أنّه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: (قَدِمْنا على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاشتَدَّ فَرَحُهم بنا، فلما انتهَينا إلى القومِ أوسعوا لنا فقَعَدْنا، فرَحَّبَ بنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ودعا لنا، ثمّ نظر إلينا، فقال: من سَيِّدُكم وزعيمُكم؟ فأشرنا جميعًا إلى المنذر بن عائذ، فقال النبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أهذا الأشَجُّ؟ فكان أوَّلَ يومٍ وُضِعَ عليه هذا الاسمُ، يضرِبُه بحافرِ حِمارٍ، قلنا: نعم، يا رسولَ اللهِ، فتخلّف بعد القَومِ، فعقلَ رواحِلَهم وضَمَّ متاعَهم، ثمّ أخرج عيبَتَه فألقى عنه ثيابَ السَّفَر ولَبِسَ مِن صالحِ ثيابِه، ثمَّ أقبَلَ إلى النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وقد بسَطَ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- رِجْلَه واتَّكأَ، فلمّا دنا منه الأشَجُّ أوسع القومُ له، وقالوا: هاهُنا يا أشَجُّ، فقال النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- واستوى قاعداً وقبض رِجْلَه: هاهنا يا أشَجُّ، فقعد عن يمينِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَحَّبَ به وألطَفَه).[١٠]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق